دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين - صالح الورداني - الصفحة ٢٩٥
وأمامنا واقعة تاريخية معتمدة تلقي الضوء على ابن عمر وموقفه المداهن شديد السلبية من الحكام فهو أولا لم يبايع عليا حين اجتمع عليه الناس ووقف يرقب النزاع الذي دار بينه وبين معاوية حتى إذا ما استتب الأمر لمعاوية قام بمبايعته على السمع والطاعة ثم بايع من بعده ولده يزيد..
يروى أن عبد الله بن عمر دخل على أخته حفصة وقال: قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شئ. قالت: الحق فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتى ذهب. فلما تفرق الناس خطب معاوية قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال ابن عمر: فحللت حبوتي وههمت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك.
فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال حبيب: حفظت وعصمت (1)..
وهذه الرواية وقعت أحداثها حين طرح معاوية فكرة توليه ولده يزيد من بعده ويظهر منها أن معاوية عرض بابن عمر وبأبيه استهان بالجميع ولم يجد له معارض وقد هم ابن عمر بمعارضته ثم تراجع عن ذلك بحجة الحفاظ على وحدة الكلمة وخوف الفتنة والحقيقة أنه خاف على نفسه لأنه كان جبانا ولا يقوى على مواجهة معاوية أو غيره. والرواية تشير إلى أنه كان يعلم أن هناك من هو أحق من معاوية بالحكم فكيف له أن يكتم هذا..؟
وهل كانت كلمة ابن عمر مسموعة في تلك الفترة بحيث يمكن لكلمته في مواجهة معاوية أن تحدث فرقة وقتال..؟
يقول ابن حجر: وكان رأي معاوية في الخلافة تقديم الفاضل في القوة والرأي والمعرفة على الفاضل في السبق إلى الإسلام والدين والعبادة فلهذا أطلق أنه أحق. والرأي ابن عمر بخلاف ذلك وأنه يبايع المفضول إلا إذا خشي الفتنة.
ولهذا بايع معاوية ثم ابنة يزيد ونهى بنيه عن نقض بيعته (2)..

(1) البخاري. كتاب المغازي. باب غزوة الخندق..
(2) فتح الباري ح‍ 7 / 404. كتاب المغازي..
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست