ويكتلها لمواجهة عصر ما بعد النبوة، إذ يتعذر على رسول الله أن ينفذ ذلك عمليا، لقد أعلن الرسول يوما أنه سيخرج لأداء العمرة، فخرج معه 1500 رجل يظهرون الشهادتين، وعسكر بهم في الحديبية، وكان من جملة الخارجين رأس النفاق عبد الله بن أبي، وحينما طلب النبي من أصحابه أن يبايعوه على الموت، تقدم المؤمنون والمنافقون معا فبايعوا الرسول على ذلك، وبايع معهم عبد الله بن أبي، وعندما عرضت قيادة البطون على ابن أبي أن يطوف بالكعبة رفض قائلا، لن أطوف وقد منعتم رسول الله. فكيف يتمكن النبي والحال هذه أن يقول للصادقين: إنني أدعوكم إلى اجتماع خاص، وأنتم أيها المنافقون ابقوا في أماكنكم؟ إن هذا أمر عسير وغير منطقي.
هذا، ولكن المؤمن الصادق يكون حيث أراده الرسول أن يكون، فتعليمات الرسول واضحة كالشمس، وراية علي كانت مرفوعة، فما ضر المؤمنين يومئذ لو انضووا تحتها، ليهزم الإمام بهم المنحرفين؟ إنهم لم يلبوا دعوة الرسول، وتركوا الإمام من من بعده وحيدا، وأفسحوا المجال لخيل التحالف لتمر وتدوس بسنابكها أهل بيت النبوة!
تلك كانت طبيعة القوم الذين قادهم النبي صلى الله عليه وآله، ولقد دفعوا الضريبة كاملة فيما بعد، وسقطوا في مخالب الظالمين، لم يضروا النبي وإنما ضروا أنفسهم، وكلما جاء ظالم ضيق الخناق عليهم، حتى جاء يزيد بن معاوية فاستباح المدينة المنورة، وقتل عشرة آلاف في يوم واحد، وحمل ألف بكر من دون زوج، وختم أعناق من بقي من الصحابة وأيديهم إمعانا في إذلالهم، وبايعوا على أنهم خول، وعبيد لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية!