ثم ينهي قوله: " فهل جعل عمر دمشق من نصيب بني أمية فأمر عليها في أول الأمر يزيد بن أبي سفيان ثم رضي بأن يعهد يزيد هذا بالإمارة إلى أخيه معاوية بغير أن يرفع في ذلك إليه؟ وهل فعل عمر ذلك ليتألف بني أمية وليتقي كيدهم ومكرهم، وهم قوم أهل شر ومكر وكيد؟ أم أن هناك أسبابا أخرى دعت إلى ذلك!.
هذا ما لا علم لنا به! وإنما الذي يعلمه هو علام الغيوب " (53).
وليس فيما أحدسه من موقف الأستاذ الجليل، سوى تخوفا من الخوض في مثل هذه الموضوعات إذ يصعب على أستاذنا الجليل موضعة عمر بن الخطاب والبحث في أحواله. فهو أحد العمالقة الذين جعل منهم تاريخ العامة، الذات المتعالية التي تند عن التحليل والنقد.
ولقد سبق أن أكدنا في كتاب " الانتقال " على ذلك لإظهار ما في الأمر من تناسب. لقد ذكرنا ما قام به عمر بن الخطاب من تأمير بني أمية على أصقاع واسعة، واعتبرت ذلك بمثابة حالة من السطحية السياسية " لأن بني أمية لم يكونوا مكتوفي الأيادي بعد أن كانوا طويلبيها في زمن البعثة. وليس بنو أمية عناصر ساذجة، وإنما هم جهاز وحالة قابلة للنشوء في كل لحظة، فتأميرهم لا يعني سوى صب مزيد من النفوذ في جعبتهم، ولقد قووا في زمن عمر بن الخطاب " (54).
ولكني أحببت استدراك ما كنت ذكرته هناك، لأن المسألة ظهر لي فيها مزيدا من الوضوح.
لقد قلت بأن عمر " كان يحاسب الأمويين حسابا عسيرا، لكنه في نفس الوقت يؤمرهم على أصقاع وسيعة " والواقع، إنه لم يكن يحاسبهم حسابا عسيرا على الإمارة وإنما كان يفعل ذلك معهم في قضايا صغيرة مثل ذلك الذي تقدم. يقول الزمخشري في ربيع الأبرار: " وكانت إمارة معاوية عشرين سنة ولاه عمر بن الخطاب الشام، وحاسب عماله إلا معاوية ".