تواجهنا في سيرة عمر بن الخطاب محطات أساسية تبين مدى تعلق الخليفة الثاني بالخمرة، وتمسكه بها سرا وتغطية ذلك بهالة من التخريجات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وفي ظني أن كثيرا من تلك الصور من الخشونة التي أحصاها التاريخ على عمر وعلى ذرته التي لا تبقى ولا تذر، كانت في لحظات السكر.
في إحدى الروايات، أراد عمر بن الخطاب أن يحلل الخمر لأهل الشام.
فقد روى محمود بن لبيد الأنصاري: إن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر: اشربوا هذا العسل.
قالوا: لا يصلحنا العسل: فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن تجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم، فاطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال:
" هذا الطلاء مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت:
أحللتها والله، فقال عمر: كلا والله، اللهم! إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم (16) ".
وقد عرف عنه إنه كان يشرب النبيذ الشديد، وكان يقول: " إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا إن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء (17) ".
والغريب أن العامة تروي عنه، أنه لم لكن يكثر من أكل اللحم وربما بالغت في ذلك، فجعلته لا يأكلها إلا نادرا من كثرة زهده. فكيف هو هنا يدعي أن تكريعه لخمرته حدث بداعي الخوف من أذى لحوم الإبل في بطنه.