الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٤٧٣
بخدعة التحكيم. فبعد تداول الحكمين اتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه.
وأن يجعلا الأمر شورى فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا. وأمام الناس دعا عمرو أبا موسى أن يقدمه في الكلام. فتقدم وقال. أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة. فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشملها. من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه. وهو أن نخلع عليا ومعاوية. ويولي الناس أمرهم من أحبوا. وأني قد خلعت عليا ومعاوية. واستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه أهلا. ثم قام عمرو. فقال: إن هذا قد قال ما سمعتموه. وخلع صاحبه. وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية. فإنه ولي ابن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه (136).
فقال أبو موسى لعمرو: ما لك. لا وفقك الله. غدرت وفجرت إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا فقال له عمرو: بل إياك يلعن الله. كذبت وغدرت.
إنما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. ثم وكز أبا موسى فألقاه لجنبه (137) وهكذا اكتملت المأساة وصار مصير الأمة يلهو به من مثله كمثل الحمار والكلب. وهكذا خضع كل شئ للتجارة بعد رحيل النبي بزمن يسير.
وعندما علم أمير المؤمنين بهذه الخدعة قال: قد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة ونحلتكم رأيي لو كان لقصير أمر. ولكن أبيتم إلا ما أردتم ألا إن هذين الرجلين الذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما. وأحييا ما أمات القرآن. واتبع كل واحد منهما هواه. بغير هدى من الله فحكما بغير حجة بينة ولا سنة ماضية. واختلفا في حكمهما. وكلاهما لم يرشد. فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين. استعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام (138) وكان معسكر أمير المؤمنين قد انشق قبل التحكيم وظهرت الخوارج على مسرح الأحداث وكانوا قد أنكروا تحكيم الرجال. فبعث إليهم يخبرهم بالنتيجة التي أسفر عنها رفع المصاحف. وقال لهم: فإذا بلغكم كتابي هذا

(136) ابن الأثير ة 168 / 3.
(137) المسعودي: 41 / 2، ابن الأثير: 168 / 3.
(138) ابن الأثير: 171 / 3.
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»
الفهرست