عليكم شهيدا. وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) * إلى قوله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها. فول وجهك شطر المسجد الحرام. وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره. وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون. ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم) * (1) قال المفسرون. والمعنى: إنما شرعنا لك يا محمد أولا التوجه إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنه إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت. ممن ينقلب على عقبيه، وإن كان صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة لأمرا عظيما في النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم. فأيقنوا بتصديق الرسول. وبأن كل ما جاء به هو الحق الذي لا مرية فيه. وبأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وله تعالى أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء. وهذا بخلاف ما يقوله الذين في قلوبهم مرض. فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا، ثم أخبره تعالى بأن صلاتهم إلى بيت المقدس لن يضيع ثوابها عند الله، وأمره تعالى بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام، وأخبره أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أن الله سيوجهه إلى هذه القبلة: مما في كتبهم عن أنبيائهم من النعت والصفة لرسوله الخاتم (ص). وما خصه الله تعالى به وشرفه من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسدا وكفرا وعنادا، وأخبر تعالى أن الرسول لو أقام عليهم كل دليل على صحة ما جاءهم به، لما اتبعوا قبلته كفرا وعنادا، وإنه لن يتبع قبلتهم لأن ذلك عن أمر الله تعالى. له الحكمة التامة والحجة البالغة، ثم أشار تعالى إلى اختلافهم فيما بينهم في تحديد قبلتهم
(٢٠٧)