ونظرا لأن مسيرة اليهود رشحت عليها عقائد الأمم الوثنية، وحمل التوحيد على امتداد مسيرتهم بصمات الآلهة المتعددة، حتى صار الإله في نهاية المطاف إلها خاصا ببني إسرائيل دون غيرهم من الأمم، ونظرا لأن الأحبار والرهبان بدلوا الدين الذي بعث به عيسى عليه السلام، ونسبوا إلى المسيح ما لا يجوز وقالوا بألوهيته، وأطاعتهم القافلة النصرانية من غير قيد وشرط، فإن الدعوة الخاتمة صححت هذه المفاهيم في أكثر من آية، ومنها قوله تعالى لرسوله (ص) * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * (1)، والمعنى: تعالوا إلى كلمة عدل ونصف نستوي نحن وأنتم فيها، ثم فسر هذه الكلمة بقوله " أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، لا وثنا ولا صليبا ولا صنما ولا طاغوتا ولا نارا ولا شئ، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له، وهذه دعوة كل الرسل منذ ذرأ الله ذرية آدم، ثم قال * (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) *، أي لا يسجد بعضنا لبعض، أو يطيع بعضنا بعضا في معصية الله، أو نحرم الحلال ونحل الحرام، فنحن وأنتم ما أمرنا إلا لنعبد الله وحده، الذي إذا حرم شئ فهو الحرام. وما حلله فهو الحلال. وما شرعه اتبع. وما حكم به نفذ.
تعالى الله سبحانه وتقدس وتنزه عن الشركاء. والنظراء. والأعوان.
والأضداد. لا إله إلا هو ولا رب سواه، فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة، فاشهدوا أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم.