والنصارى، ثم ذكر ما أوتي النبيون من ربهم لتشمل الشهادة جميع الأنبياء فيستقيم قوله بعد ذلك " لا نفرق بين أحد منهم ". ثم قال تعالى:
* (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) * أي. فإن آمنوا بما آمنتم به من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه.
من الآيات السابقة يمكن أن نستشف الثقافة التي كان اليهود والنصارى يبثونها على عهد الرسالة الخاتمة. فلقد ادعوا بأنهم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا، ويبدو أن القرآن عندما ضرب العمود الفقري لثقافتهم هذه، قرروا بأن يعمل كل حي من أحيائهم على انفراد، ويمكن أن نستشف ذلك من قوله تعالى: * (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب) * (1) قال المفسرون: هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله (ص)، وهذا القول يقتضي أن كلا من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى، ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما قالوه مع علمهم بخلاف ذلك، ولهذا قال تعالى: * (وهم يتلون الكتاب) * أي وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت، ولكنهم تجاحدوا فيما بينهم عنادا وكفرا ومقابلة للفاسد بالفاسد (2)، وبالجملة: قد كان أوائل اليهود والنصارى على شئ، وهذا لا تخلو منهم كتبهم لإقامة الحجة عليهم على امتداد المسيرة، ثم ابتدع الذين من بعدهم وتفرقوا، ثم جاء العلماء الذين وضعوا التفسير الشفهي للتوراة (التلمود) وعنده انقسم اليهود إلى فرق وأحزاب، وانتهى الأمر بأن وقف الحي اليهودي داخل دائرة حددها