كما يفنى الأتون الملتهب قطرة من ماء، أما الذين يفيضون بكاء بسهولة فكالفرس الذي تزيد سرعة عدوه كلما خف حمله! إنه ليوجد قوم يجمعون بين الهوى الداخلي والعبرات الخارجية، ولكن من على هذه الشاكلة يكون كأرميا، ففي البكاء يزن الله الحزن أكثر مما يزن العبرات ".
فقال حينئذ يوحنا " يا معلم كيف يخسر الإنسان في البكاء على غير الخطيئة؟ "، أجاب يسوع " إذا أعطاك هيرودس رداء لتحفظه له ثم أخذه بعد ذلك منك، أيكون ذلك باعثا على البكاء؟ "، فقال يوحنا " لا "، فقال يسوع " إذا يكون باعث الإنسان على البكاء، أقل من هذا إذا خسر شيئا أو فاته ما يريد، لأن كل شئ يأتي من يد الله، أليس لله إذا قدرة على التصرف بأشيائه حسبما يريد، أيها الغبي؟ أما أنت فليس لك من ملك سوى الخطيئة فقط، فعليها يجب أن تبكي، لا على شئ آخر "... لأنه بالخطيئة يترك الإنسان خالقه، ولكن كيف يبكي من يحضر مجالس الطرب والولائم، إنه يبكي كما يعطي الثلج نارا! فعليكم أن يحولوا مجالس الطرب إلى صوم إذا أحببتم أن يكون لكم سلطة على حواسكم، لأن سلطة إلهنا هكذا... يتألف الإنسان من ثلاثة أشياء، أي النفس والحس والجسد، كل منها مستقل بذاته (1)... " (14) موت الخاطئ:
إن النفس التي تخطئ تموت، ولكن بالتوبة يحيا صاحبها بمعرفة الله، لذا كان قاتلا من يقدر على تحويل الخاطئ للتوبة بتذكيره، ولم يفعل، وإن أكبر نذير للإنسان وواعظ هو الموت، وإن أكبر مكفر له عن خطاياه هو الندم، " فإنه والله الجد لا اللعب، والحق لا الكذب، وما هو إلا الموت قد أسمع داعيه وأعجل حاديه! أما رأيته الذين يأملون بعيدا، ويبنون مشيدا ويجمعون كثيرا، كيف أصبحت بيوتهم قبورا وما جمعوا بورا، وصارت أموالهم للوارثين وأزواجهم لقوم آخرين، لا في حسنة يزيدون، ولا في سيئة