على نسبة العدل الذي يطلبه، حقا إن ضحك الخاطئ دنس مكروه، حتى أنه يصدق على هذا العالم ما قال أبونا داود من أنه وادي الدموع "... ثم بكى يسوع قائلا " ويل للعالم، لأنه سيحل به عذاب أبدي، ما أتعسك أيها الجنس البشري فإن الله قد اختارك... واهبا إياك الجنة، ولكنك أيها التعيس سقطت تحت غضب الله، بعمل الشيطان، وطردت من الجنة، وحكم عليك بالإقامة في العالم النجس، حيث تنال كل شئ بكدح، وكل عمل صالح لك يحبط بتوالي ارتكاب الخطايا، وإنما العالم يضحك، والذي هو شر من ذلك، أن الخاطئ الأكبر يضحك أكثر من غيره، فسيكون كما قلتم " إن الله يحكم بالموت الأبدي على الخاطئ الذي يضحك لخطاياه ولا يبكي عليها "، إن بكاء الخاطئ يجب أن يكون كبكاء أب على ابن مشرف على الموت، ما أعظم جنون الإنسان الذي يبكي على الجسد إذا فارقته النفس، ولا يبكي على النفس التي فارقتها رحمة الله بسبب الخطيئة. قولوا لي، إذا قدر النوتي الذي كسرت العاصفة سفينته، على أن يسترد بالبكاء كل ما خسر، فماذا يفعل؟ من المؤكد أنه يبكي بمرارة، ولكن أقول لكم حقا إن الإنسان يخطئ في البكاء على أي شئ إلا على خطيئته فقط، لأن كل شقاء يحل بالإنسان، إنما يحل به من الله لخلاصه، حتى أنه يجب عليه أن يتهلل له، ولكن الخطيئة إنما تأتي من الشيطان للعنة الإنسان، ولا يحزن الإنسان عليها، حقا إنكم لا تدركون أن الإنسان إنما يطلب خسارة لا ربحا "! قال برتولوماوس " يا سيد ماذا يجب أن يفعل من لا يقدر أن يبكي، لأن قلبه غريب من البكاء؟ "، أجاب يسوع " ليس كل من يسكب العبرات بباك يا برتولوماوس، لعمر الله يوجد قوم لم تسقط من عيونهم عبرة قط، بكوا أكثر من الذين يسكبون العبرات، إن بكاء الخاطئ هو احتراق هواه العالمي بشدة الأسى، وكما أن نور الشمس يقي ما هو موضوع في الأعلى من التعفن، هكذا يقي هذا الاحتراق النفس من الخطيئة، فلو وهب الله النادم الصادق دموعا قدر ما في البحر من ماء، لتمنى أكثر من ذلك بكثير، ويفنى هذا التمني تلك الفطرة الصغيرة التي يود أن يسكبها،
(٩٩)