الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٢٦
من رزق وأجل، وسرور وحزن، وعجز وقدرة، وإيمان وكفر، وطاعة ومعصية فكله عدل محض لا جور فيه، وحق صرف لا ظلم فيه، بل هو على التريب الواجب الحق على ما ينبغي، وبالقدر الذي ينبغي، وليس في الإمكان أصلا أحسن منه ولا أتم ولا أكمل، بل كل فقر وضر في الدنيا، فهو نقصان من الدنيا وزيادة في الآخرة، وكل نقص في الآخرة بالإضافة إلى شخص، فهو نعيم بالإضافة إلى غيره، إذ لولا الليل لما عرف قدر النهار!
فالغزال يقول إن الخير والشر مقضي به، وقد كان ما قضى به واجب الحصول بعد سبق المشيئة، فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره، بل كل صغير وكبير مستطر، وحصوله بقدر معلوم منتظر، وما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك!
ويقول " إن التوكل عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده، فإن ثبت في نفسك بكشف أو باعتقاد جازم، أن لا فاعل إلا الله، واعتقدت مع ذلك تمام العلم والقدرة على كفاية العباد، ثم تمام العطف والعناية والحرمة بحمله العباد والآحاد، وأن ليس وراء منتهى قدرته قدرة، ولا وراء منتهى علمه، علم ولا وراء منتهى عنايته بك ورحمته لك، عناية ورحمة، اتكل لا محالة قلبك عليه وحده، ولم يلتفت إلى غيره بوجه، ولا إلى نفسه وحوله وقوته، فإنه لا حول (أي حركة) ولا قوة (أي قدرة ة إلا بالله "! ويقول إن كنت لا تجد هذه الحالة من نفسك، فهذا إما لضعف اليقين بإحدى هذه الخصال الأربعة، وإما ضعف القلب ومرضه باستيلاء الجبن عليه وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه، فإذا لا يتم التوكل إلا بقوة القلب وقوة اليقين جميعا، إذ بهما يحصل سكون القلب وطمأنينته!
وقد يظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب، والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة، وهذا ظن الجهال، فالمقطوع به (وذلك مثل الأسباب التي ارتبطت المسببات بها بتقدير الله ومشيئته ارتباطا مطردا لا يختلف)، أن لا شبع، بلا أكل، والمقطوع به أن الثمر لا يأتي من غير
(٣٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 ... » »»