الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٢٥٢
بالغذاء المادي: إذ أنه كان يرى أن حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وحتى أنه إذا لم يجد هذه اللقيمات، فإنه كان يستحي - وهو الذي أوتي المعرفة، وأنزل عليه الوحي، وكشف عنه في اليقظة والمنام ما أعد الله له - كان يستحي أن يطلب من ربه رزقا ماديا، وكان يرى الصبر في سبيل الله، هو الموصل إلى الله!
محمد رسول الله، باعث الدعوة للهدى ودين الحق، كان يقضي الأيام الكثيرة والليالي الطويلة من غير لقيمات صغيرة، فكان يقضي أيامه ولياليه طاويا، يربط الحجر على بطنه، ليعينه ذلك على تحمل ألم الجوع!
وكان له في لذته الروحية، من مناجاة ربه، والتهجد في ليله، والعمل لنشر الدعوة الإسلامية لهداية الناس، أكبر صارف له عن التفكير في ماديات نفسه!
لقد نعم محمد رسول الله وحبيبه، بمعرفة الله، فكان له من المعرفة خير هاد ولقد نعم بتوفيق الله ونصره، فكانت روحه صلى الله عليه وسلم، أسمى من أن تعنى بشؤون جسمه، ومن أن تفكر في غذائه إلا بما يقيم الصلب!
لقد كان نبينا الكريم مراقبا ربه، فكان يأكل كل ما يقدم له، شاكرا ربه على ما أنعم، انظر إلى ما رواه يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنهما، إذ قال " أخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كسرة من شعير، فوضع عليا تمرة، وقال هذه إدام هذه (1) "، فإنك تجد في هذه الرواية، قناعة الزاهدين وانظر إلى ما رواه جابر رضي الله عنه، إذ قال " إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سأل أهله الأدم، فقالوا ما عندنا إلا الخل! فدعى به، فجعل يأكل ويقول " نعم الإدام الخل! نعم الإدام الخل (2) " فإنك تجد في هذه الرواية، شكر الصابرين!
وكان نبينا الكريم يمدح الزهد ويحث على حب الفقراء، وكان يرى الزهد في ألا يقبل الإنسان على الدنيا أو يعرض عنها، بل بأن يرضى بما يعطيه الله

(1) راجع ص 359 ج 2 من تيسير الوصول للشيباني.
(2) راجع ص 348 ج 2 من تيسير الوصول للشيباني.
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»