رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يحفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، يمزح ولا يقول إلا حقا، لا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى، أو فيما لا بد له منه من صلاح نفسه، لا يحتقر مسكينا لفقره، ولا يهاب ملكا لملكه، يدعو هذا وهذا إلى الله، دعاء مستويا (1).
وبالجملة لا توجد صفة كريمة إلا كان لنبينا الكريم الذروة فيها، فكان شديد الحياء، وكان أبر الناس بأصدقائه وكان شديد التواضع، وكان يعفو عن كثير ويتحمل الأذى في سبيل نصر الله، وكان كثير السخاء، والكرم، وكان يداعب ولا يقول إلا حقا، وكان صلبا في التمسك بالحق، وكان أكثر الناس حرصا على الأدب في حق ربه، وكان وفيا للناس وللأماكن والجهات، بارا بأولاده وأهله، وكان صلى الله عليه وسلم غني الروح فقيرا من المادة، فقد حدثنا أنس رضي الله عنه، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أخفت في الله ما لم يخف أحد، وأوذيت في الله ما لم يؤذ أحد، ولقد أتى علي ثلاثون يوما ما بين يوم وليلة، وما لي ولبلال من الطعام، إلا شئ يواريه إبط بلال "!
وحدثنا أبو طلحة رضي الله عنهما، فقال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا ثيابنا عن حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن حجرين (2) " الله أكبر! هذا رسول الله، لو شاء لأوتي خزائن الأرض، ولكنه آثر ما عند الله في الأخرى، وجاهد في سبيل ربه ولم يعبأ بالحياة المادية الصغيرة، لأن الروح السامية النبيلة همها غذاء الروح، من مناجاة ربها، والجهاد في سبيله والعمل للقرب منه، طارحة ما في الحياة الدنيا من بهرج، لأنها وقد عرفت الحق لم تجد أكبر من هذه المعرفة لذة، فآثرت ما يوصلها إلى مرقاة القرب من الحق لأن ما عند الله باق، وما في الدنيا ظل زائل، لذا لم يكن النبي الكريم، ليهتم