الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٢٥٠
بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة، كأنه ولي حميم " وقوله " والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس والله يحب المحسنين "، وقوله " اجتنبوا كثيرا من الظن، إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ".
ويقول الغزالي إن أمثال هذه التأديبات في القرآن لا تحصر، وهو عليه السلام المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم يشرق ذلك النور على كافة الخلق فإنه أدب بالقرآن، وأدب الخلق به، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ثم رغب الخلق في محاسن الأخلاق، ثم لما أكمل الله تعالى خلقه، أثنى عليه، فقال تعالى " إنك لعلى خلق عظيم ".
فكان صلى الله عليه وسلم، أحلم الناس وأشجع الناس وأعدل الناس واعف الناس، وأسخى الناس، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، وكان أشد الناس حياء لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدية ويكافئ عليها ويأكلها، ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر على إجابة الأمة والمسكين، يغضب لربه، ولا يغضب لنفسه وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه، وكان يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد، ولا يتورع عن مطعم حلال، وإن وجد تمرا دون خبزا كله وإن وجد شواء أكله، وإن وجد خبز بر أو شعير أكله، وإن وجد حلوا أو عسلا أكله، وإن وجد لبنا دون خبز اكتفى به، وإن وجد بطيخا أو رطبا أكله، لا يأكل متكئا ولا على خوان، ولم يشبع من خبز بر ثلاثة أيام متوالية، حتى لقي الله تعالى، إيثارا على نفسه، لا فقرا ولا بخلا، يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، أشد الناس تواضعا، وأسكنهم في غير كبر، وأبلغهم في غير تطويل، وأحسنهم بشرا لا يهوله شئ من أمور الدنيا، ويلبس ما وجد من المباح، يردف خلفه عبده أو غيره، يركب ما أمكنه، مرة فرسا، ومرة بعيرا، ومرة بغلة شهباء، ومرة حمارا ومرة يمشي راجلا، يحب الطيب، ويجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»