الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٢٥٣
من خير أو يقضى عليه به من شر، لأنه مسافر يكفيه منها زاد الراكب من الكفاف، وأن الورع لا يعدل بشئ، وأن حقيقته في ترك ما لا بأس به، حذرا مما به بأس، وأن من الإيمان التواضع في اللباس، وترك التبجح به!!
وقد كان فقر النبي الكريم، من إيثاره على نفسه بأمواله، إذ كان يفرقها على المستحقين من أصحابه والمساكين، وفي النوائب التي تنوب المسلمين، ولا يرد سائلا إذا وجد مالا كثيرا، ولا يضع درهما فوق درهم، فكان سيد الأغنياء الشاكرين، وكان سيد الفقراء الصابرين.
ونخرج من هذا، إلى أن النبي الكريم كان فقيرا، ولم يعبه هذا الفقر، لأنه لم يعبأ بالدنيا وزينتها، وكان همه الروح والسمو بها، والنفس وتزكيتها، ولما آناه الله المال، كان ينفقه في سبيل الله ويتصدق به، إلى حد أن كان يتصدق بالمال وينام طاويا، وما ذاك إلا رغبة فيما عند الله وتقديم القرض الحسن لله الذي وعد في القرآن الكريم بأن يضاعفه، هذا على زهد في هذا الدنيا الفانية وانصراف عن زخرفها، خشية أن يشغله المال وجمعه وكنزه عن الذكر الحق لربه والدعوة إليه والجهاد في سبيله!
" وقد كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، كاف لك في الأسود، ودليل ذلك على ذم الدنيا وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه أطرافها، ووطئت لغيره أكنافها، وفطم عن رضاعها، وزوى عن زخارفها، وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "، والله ما سأله إلا خبزا يأكله، لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب لحمه، وإن شئت ثلثت بداود صلى الله عليه وسلم، صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، ويقول لجلسائه أيكم يكفيني بيعها، ويأكل قرص الشعير من ثمنها، وإن شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السلام، فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن، وكان إدامه الجوع، وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»