الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٢٦٢
فانطلقنا: فأتينا على روضة معتمة (1)، فيها من كل نور (2) الربيع، وإذا بين ظهري تلك الروضة، رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حوله من أكثر ولدان رأيتهم، قلت: ما هؤلاء؟ قالا: انطلق!... انطلق!...
فانطلقنا.. فأتينا على دوحة (3) عظيمة، لم أر دوحة قط أعظم منها ولا أحسن، فقالا: إرق فيها! فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب وفضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلنا، فتلقانا رجال، شطر من خلفهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، فقالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، وإذا نهر معترض، كأن ماءه المحض (4) في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا وقد ذهب أسوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، فقالا: هذه جنة عدن وهذاك منزلك، فسمى بصرى صعدا، فإذا قصر مثل الربابة (5) البيضاء، فقلت: فذراني فأدخله! قالا: أما الآن فلا! وأنت داخله!
فقلت: فإني رأيت منذ الليلة عجبا! فما هذا الذي رأيت؟! قالا: إنا سنخبرك!
أما الرجل الأول الذي رأيته يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة! وأما الرجل الذي يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يبدو من بيته، فيكذب الكذب تبلغ الآفاق! وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني! وأما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن النار! وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام! وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة! - فقال رجل: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ قال صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين! - وأما القوم الذين كانوا، شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا! تجاوز الله عنهم (6) " ولقد حدثنا الإمام علي بن أبي طالب عن معجزة، رآها للنبي، فقال ".. لقد

(1) طويلة النبات.
(2) بفتح، النور: الزهر.
(3) شجرة.
(4) المحض من كل شئ: الخالص منه، والمراد به هنا: اللبن الخالص.
(5) الشجرة.
(6) راجع ص 196 - 198 من تيسير الوصول ج 1 للشيباني.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»