وهو في نفسه غامض من حيث التعريف ولذلك اختلفت أقوال العلماء في حده.
فمنها: هو الثقة بما عند الله، واليأس عما في أيدي الناس، شاق من حيث العمل ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد، والإعراض عنها بالكلية طعن في السنة وقدح في الشرع فإن غالب المأمورات الشرعية مبناها على الأسباب، والاعتماد على الأسباب من غير أن ترى أسبابا في تغير وجه العقل وانغماس في غمرة الجهل، فإن العاقل كيف يعتمد على شئ وهو لا يرى به، وتحقيق معنى التوكل على وجه يتفق فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع في غاية الغموض والعسر لا يقوى على كشفه إلا العلماء الربانيون، وما جاء في كتاب الله مثل قوله تعالى: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، فهو بيان لفضيلة التوكل على الله، وكل ما ذكر في القرآن من التوحيد فهو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار والتوكل على الواحد القهار، وبهذا يعلم ما في كلامه من التلبيس والإجمال، ومثله فيهما قوله: (والتقوى)، ومحل التقوى أيضا القلب بدليل حديث الترمذي المتقدم في مبحث الحسب (التقوى ههنا)، وهي في اللغة بمعنى الاتقاء وهو اتخاذ الوقاية، والتقوى جماع الخيرات، ومنتهى الطاعات، والرهبة من مباديها، وقد تسمى التقوى خوفا وخشية ويسمى الخوف تقوى.
والاتقاء التحرز بطاعة الله عن عقوبته، وأصل التقوى اتقاء الشرك، ثم بعده اتقاء المعاصي والسيئات، ثم بعده اتقاء الشبهات، ثم ندع بعده الفضلات، والمتقي من قام به هذا الوصف، وغاية التقوى البراءة من كل شئ سوى الله، ومبدؤها اتقاء الشرك بالله، وأوسطها اتقاء الحرام.
وقد قيل فيها أقوال كثيرة، فمنها ما نسب لحيدرة كرم الله وجهه رضي عنه أنها، ترك الاصرار على المعصية، وترك الاغترار بالطاعة، ومنها منا نسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته)، هو أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.
وقيل هي مجانبة كل ما يبعدك عن الله، والمتبع هو الذي اتقى متابعة الهوى،.