والحافظ ابن حجر مؤلف هذين الكتابين، مع كونه خيرا من هذا المتشبع الجفاخ، قد عرف قدره ولم يتعد طوره، فلم يدع هذا المنصب العظيم، لعلمه بأنه إنما جميع كتابيه من كلام من تقدمه من العماء، وأولئك العلماء الذين استفاد منهم هذه الثروة العظيمة كلهم من أتباع الأئمة الأربعة لم يفه أي واحد منهم بهذه الأحموقة، وهي ادعاء الاجتهاد المطلق، لعلمهم أن من تقدمهم من مشايخهم ومشايخ كانوا أعلم وأتقى لله منهم، ولا يرتكبها أي واحد منهم، والذي جمعه في أصول الفقه مضخما اسمه زاعما أنه إرشاد الفحول، (والفحول لا يحتاجون إلى إرشاده) وإنما الإرشاد للحيارى، إنما جمعه من كلام فحول من المقلدين للأئمة الأربعة كالآمدي وابن الحاجب وابن السبكي وغيرهم ممن لا يلحق هذا المتغطرس غبار أي واحد منهم، وما كانوا متغطرسين ولا محتقرين لعباد الله تعالى، وقد تحقق من تعريف الاجتهاد أنه ليس بكثرة الحفظ للمسائل، ولا بحكاية أقوال العلماء في التآليف والمذاكرة ومن ظن كهذا الجفاخ أنه يحصل بهاتين معا أو بإحداهما، فهو جاهل جهلا مكعبا، فتتنازله وهو المجتهد الكبير عند نفسه إلى نقل العلم عن المقلدين والاحتجاج بأقوالهم في كتابيه دليل على انحطاط رتبته عنهم بكثير، وهل ينزل من في الثريا إلى من في الثرى؟، وهل هذا إلا عين التناقض؟.
ولقد كان من اللازم لاجتهاده المزعوم أن يقعد قواعد كالإمام المطلبي، ويستنبط من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فروعا مخالفة لفروع الأئمة المتبوعين يبرهن بها على أنه مجتهد بحق، ولا يحشر نفسه في كتيبة العلماء المقلدين لهم ولا يستظل بظلهم أصلا ولكن قد تحقق كل عاقل أنه ليس عنده إلا بضاعة قدوته الحراني التكفير.
شحنه تآليفه بأقوال العلماء المقلدين للأئمة الأربعة مع ادعائه الاجتهاد المطلق تناقض قبيح فإن كان مجتهدا كما زعم فكيف ساغ له تقليد المقلدين للأئمة الأربعة والثقة بأقوالهم، وإن كان المقلدون للأئمة الأربعة كفارا = في زعمه = فكيف ساغت له الثقة