وهذا جائر لغة وشرعا من كل من يقدر عليه بأي لفظ عبر عنه = كما قالت أم إسماعيل =:
أغث إن كان عندك غواث.
وقد روينا في المعجم الكبير للطبراني حديثا ظاهره قد يقدح في هذا وساق إسناد الطبراني إلى أبي بكر قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: قوموا نستغيث برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: (إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله عز وجل)، وهذا الحديث في إسناده عبد الله بن لهيعة، وفيه كلام مشهور فإن صح الحديث فيحتمل معاني:
(أحدها): أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان قد أجرى على المنافقين أحكام المسلمين بأمر الله تعالى فلعل أبا بكر ومن معه استغاثوا بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليقتله فأجاب بذلك، يعني أن هذا من الأحكام الشرعية التي لم ينزل الوحي بها وأمرها إلى الله تعالى وحده، والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أعرف الخلق بالله تعالى فلم يكن يسأل ربه تغيير حكم من الأحكام الشرعية ولا يفعل فيها إلا ما يأمره به، فيكون قوله:
لا يستغاث بي عاما مخصوصا، أي لا يستغاث بي في هذا الأمر، لأنه مما استأثر الله تعالى به ولا شك أن من أدب السؤال أن يكون المسؤول ممكنا فكما إنا نسأل الله تعالى إلا ما هو في ممكن القدرة الإلهية كذلك لا نسأل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا ما يمكن أن يجيب إليه.
(والثاني) أن يكون ذلك من باب قوله: ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم، أي أنا وإن استغيث بي فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى، وكثيرا ما تجئ السنة بنحو هذا من بيان حقيقة الأمر ويجئ القرآن بإضافة الفعل إلى مكتسبه كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله)، مع قوله تعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه: (لأن يهدي الله بك رجلا واحد)، فسلك الأدب في نسبة الهداية إلى الله تعالى، وقد قال سبيل الكسب، ومن هذا قوله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم).