ومع هذين الأمرين فلا مانع من أن يسأل الله صلى الله تعالى عليه وسلم الاستسقاء كما كان يسأل في الدنيا.
النوع الثالث من التوسل (النوع الثالث) من التوسل أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود، بمعنى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قادر على التسبب فيه، بسؤاله ربه وشفاعته إليه، فيعود إلى النوع الثاني في المعنى، وإن كانت العبارة مختلفة، ومن هذا قول القائل للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم: أسألك مرافقتك في الجنة، قال أعني على نفسك بكثرة السجود، والآثار في ذلك كثيرة أيضا، ولا يقصد الناس بسؤالهم ذلك إلا كون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سببا وشافعا، وكذلك جواب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وإن ورد على حسب السؤال = كما روينا في دلائل النبوة للبيهقي بالإسناد إلى عثمان بن أبي العاص = قال:
شكوت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سوء حفظي للقرآن، فقال شيطان يقال له خنزب ادن مني يا عثمان، ثم وضع يده على صدري فوجدت بردها بين كتفي وقال:
أخرج يا شيطان من صدر عثمان، قال: فما سمعت بعد ذلك شيئا إلا حفظته.
فانظر أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالخروج للشيطان، للعلم بأن ذلك بإذن الله تعالى وخلقه وتيسيره، وليس المراد نسبة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الخلق والاستقلال بالأفعال، هذا لا يقصده مسلم فصرف الكلام إليه ومنعه من باب التلبيس في الدين والتشويش على عوام الموحدين، وإذ قد تحررت هذه الأنواع والأحوال في الطلب من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وظهر المعنى، فلا عليك في تسميته توسلا أو تشفعا أو استغاثة أو تجوها أو توجها، لأن المعنى في جميع ذلك سواء.
(أما التشفع) فقد سبق في الأحاديث المتقدمة قول وفد بني فزارة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم: تشفع لنا إلى ربك، وفي حديث الأعمى ما يقتضيه أيضا، والتوسل في معناه، وأما التوجه والسؤال ففي حديث الأعمى والتجوه في معنى التوجه، قال تعالى في حق موسى عليه الصلاة والسلام: (وكان عند الله وجيها)، وقال في حق عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: (وجيها في الدنيا والآخرة)، قال المفسرون: وجيها أي