التوسل بالنبي (ص) وجهلة الوهابيون - أبي حامد بن مرزوق - الصفحة ١٤
منه ويدعون في صحة هذه المنفصلات وتمام انحصارها الضرورة، والجواب: المنع كيف وليس تركيبها عن الشئ ونقيضه أو المساوي لنقيضه، وأطبق أكثر العقلاء على خلافها وعلى أن الموجود إما جسم أو جسماني، أوليس بجسم ولا جسماني، وكذا باقي التقسيمات المذكورة والجزم بالانحصار في القسمين إنما هو من الأحكام الكاذبة للوهم، ودعوى الضرورة مبنية على العناد والمكابرة أو على أن الوهميات كثيرا ما تشتبه بالأوليات.
وأما الثاني فكقوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله)، (الرحمن على العرش استوى)، (إليه يصعد الكلم الطيب)، (ويبقى وجه ربك)، (يد الله فوق أيديهم)، ولتصنع على عيني)، (لما خلقت بيدي)، (والسماوات مطويات بيمينه)، (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) إلى غير ذلك، وكقوله عليه الصلاة والسلام للجارية: (أين الله) فقالت:
في السماء، فلم ينكر عليها وحكم بإسلامها، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا - الحديث)، (إن الله خلق آدم على صورته)، (إن الجبار يضع قدمه في النار)، (إنه يضحك إلى أوليائه)، (إن الصدقة تقع في كف الرحمن) إلى غير ذلك.
والجواب أنها ظنيات سمعية في معارضة قطعيات عقلية، فيقطع بأنها ليست على ظواهرها، ويفوض العلم بمعانيها إلى الله تعالى مع اعتقاد حقيقتها جريا على الطريق الأسلم الموافق للوقف على " إلا الله " في قوله تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله "، أو تؤول تأويلات مناسبة موافقة لما عليه الأدلة العقلية، على ما ذكر في كتب التفاسير وشروح الأحاديث، سلوكا للطريق الأحكم الموافق للعطف في (إلا الله والراسخون في العلم).
فإن قيل: إذا كان الدين الحق نفي الحيز والجهة، فما بال الكتب السماوية والأحاديث النبوية مشعرة في مواضع لا تحصى بثبوت ذلك، من غير أن يقع في موضع منها تصريح بنفي ذلك وتحقيق؟، كما كررت الدلالة على وجود الصانع ووحدت وعلمه وقدرته وحقيقة المعاد وحشر الأجساد في عدة مواضع، وأكدت غاية التأكيد مع أن هذا
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»