يقبل الاختصاص بجهة فوجوده مع خلو الجهات الست عنه محال، فأما موجود لا يقبل الاتصال. ولا الاختصاص بجهة فخلوه عن طرفي النقيض غير محال وهو كقول القائل:
يستحيل موجود لا يكون عاجزا ولا قادرا ولا عالما ولا جاهلا، فإن المتضادين لا يخلو الشئ عنهما فيقال له: إن كان ذلك الشئ قابلا للمتضادين فيستحيل خلوه عنهما، أما الجدار الذي لا يقبل واحد منهما لأنه فقد شرطهما وهو الحياة فخلوه عنهما ليس بمحال، فلذلك شرط للاتصال والاختصاص بالجهات التحيز والقيام بالمتحيز، فإذا فقد هذا لم يستحل الخلو عن مضاديه إ ه.
جواب نفيس للعلامة أبي عبد الله بن جلال عن قولهم: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم وسئل العلامة أبو عبد الله محمد بن جلال هل يقال: المولى تبارك وتعالى لا داخل العالم ولا خارج العالم. فأجاب بأنا نقول ذلك ونجزم به ونعتقد أنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، والعجز عن الادراك إدراك، لقيام الدلائل الواضحة على ذلك عقلا ونقلا. أما النقل: فالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير). فلو كان في العالم أو خارجا عنه لكان مماثلا وبيان المماثلة واضح. أما في الأول فلأنه إن كان فيه صار من جنسه فيجب له ما وجب له.
وأما الثاني فلأنه إن كان خارجا لزم إما اتصاله وإما انفصاله إما بمسافة متناهية أو غير متناهية وذلك كله يؤدي لافتقاره إلى مخصص. وأما السنة فقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " كان الله ولا شئ معه وهو الآن على ما كان عليه ". وأما الاجماع فأجمع أهل الحق قاطبة على أن الله تعالى لا جهة له، فلا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف. وأما العقل فقد اتضح لك اتضاحا كليا مما مر في بيات الملازمة في قوله تعالى:
(ليس كمثله شئ). والاعتراض بأنه رفع للنقيضين ساقط، لأن التناقض إنما يعتبر حيث يتصف المحل بأحد النقيضين ويتواردان عليه، وأما حيث لا يصح تواردهما على المحل ولا يمكن الاتصاف بأحدهما فلا تناقض كما يقال مثلا: الحائط لا أعمى ولا