تطهير الفؤاد - الشيخ محمد بخيت الحنفي - الصفحة ٨٨
الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون " * فهذه الأمور كلها إنما كتبت لهم وكتب لهم بها أجر لأنها وسيلة إلى الجهاد في سبيل الله بل الجهاد نفسه إنما شرف لكونه سببا لإعلاء كلمة الله ولذلك جميع ما طلبه الشرع مما هو معقول المعنى فهو وسيلة لذلك المعنى المعقول منه وبسببه طلب وقد نقل الأصوليون الاجماع على أن من مشى من مكان بعيد حتى حج كان أفضل ممن حج من مكة وفي الحديث عن الله تعالى بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي * ولا شك أن المتوسل إلى قربة بمباح فيه مشقة كالسفر وغيره متحمل لتلك المشقة من أجل الله تعالى فهو بعين الله تعالى والله ناظر إليه وجازيه على سعيه بل المباح الذي لا مشقة فيه وفيه راحة للنفس إذا قصد به التوسل إلى قربة حصل له به أجر كمن نام ليتقوى على قيام الليل أو أكل ليتقوى على الطاعة ولهذا ورد في الأثر إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي * وتكلم العلماء في أن الثواب في هذا القسم على القصد خاصة أو على الفعل والأقرب الثاني ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك إلا ازددت رفعة ودرجة * فهذا يشهد لأنه يؤجر على المباح إذا اقترن بالنية وكذلك الحديث الصحيح أنه يضع شهوته في الحلال وله فيها أجر * وحاصلها أن العبادات أربعة أقسام " أحدها " ما وضعه الشرع عبادة إما تعبدا وإما لمعنى يحصل بها كالصلاة والصوم والصدقة والحج فهذا متى صح كان قربة ولا يمكن وجوده شرعا على غير وجه القربة " وثانيها " ما طلبه الشرع من مكارم الأخلاق كإفشاء السلام ونحوه لما فيه من المصالح وهذا مقصود الشارع فإذا وجد منه الامتثال كان قربة وإن وجد بدونها كان من جملة المباحات " وثالثها " ما لا يستقل بتحصيل
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»