قال: فلدمت (١) في صدري وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك (٢) لا أرض لك، قال فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك قال: فوقفت (٣) وأخرجت ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما. قال فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة. قال فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له. فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكأن أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له " (٤).
وحزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا، ووقف عليه حين قتل ومثل به، فجعل ينظر إليه وهو يتألم ويقول " رحمك الله.. أي عم لقد كنت وصولا للرحم.. فعولا للخيرات.. لن أصاب بمثلك بعد اليوم " (٥) وقد واسى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في حمزة وإخوانه الشهداء ونهاه عن التمثيل بقتلى المشركين انتقاما لحمزة، وعزاه به وصبره فيه، فقال عز وجل: ﴿وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون﴾ (٦) وفي حمزة وشهداء أحد نزل قول الله تعالى: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون...﴾ (7)... رحم الله حمزة سيد الشهداء، وهنيئا له في الخالدين.