ولقيت خيل المسلمين عيرا لقريش يسعى بها أبو العاص فأغاروا عليه، وغنموا منه لكنه أعجزهم هربا، وانتظر حتى حل الظلام فسعى إلى بيت زينب واستجار بها، فخرجت والمسلمون في صلاة الفجر خلف أبيها - صلى الله عليه وسلم - وصاحت تسمعهم أجمعين: " أيها الناس إني أجرت أبا العاص ابن الربيع ".
فلما انصرف الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته التفت إلى أصحابه وقال لهم: " أيها الناس هل سمعتم ما سمعت "، فقالوا نعم يا رسول الله. فقال:
" أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشئ من ذلك حتى سمعتم ما سمعت، وأنه يجير على المسلمين أدناهم وقد أجرنا من أجارت ".
ثم دخل على ابنته وعندها أبو العاص فقال لها: " أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له ".
وحين تجمع المسلمون في المسجد ضحى ذلك اليوم، استدعى الرسول أبا العاص ثم خاطب المسلمين من حوله فقال: " إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيئ الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به " فردوا عليه كل ما أخذوه حتى الحبل والسقاء.
وعاد أبو العاص بقافلته موفورا حتى أدى لقريش حقوقها - ثم سألهم:
" يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال " فأجابوا: " لا ". فقال لهم " " فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم، وفرغت منها أسلمت " (1).