شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ١٥٨
والطريقة المشهورة عند أهل الكلام والنظر تقرير نبوة الأنبياء بالمعجزات لكن كثير منهم لا يعرف نبوة الأنبياء الا بالمعجزات وقرروا ذلك بطرق مضطربة والتزم كثير منهم انكار خرق العادات لغير الأنبياء حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر ونحو ذلك ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لكن الدليل غير محصور في المعجزات فإن النبوة انما يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين ولا يلتبس هذا بهذا الا على أجهل الجاهلين بل قرائن أحوالهما تعرب عنهما وتعرف بهما والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة فكيف بدعوة النبوة وما أحسن ما قال حسان رضي الله عنه * لو لم يكن فيه آيات مبينة * كانت بديهته تأتيك بالخبر * وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين الا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشيطان عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز فان الرسول لا بد أن يخبر الناس بأمور ويأمرهم بأمور ولا بد أن يفعل أمورا يبين بها صدقه والكاذب يظهر في نفس ما يأمر به ويخبر عنه وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة والصادق ضده بل كل شخصين ادعيا امرا أحدهما صادق والآخر كاذب لا بد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا ولو بعد مدة إذ الصدق مستلزم للبر والكذب مستلزم للفجور كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عن الله صديقا وإياكم والكذب فان الكذب يهدي إلى الفجور
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»