في قوة أخرى يستحضرها الحس المشترك من جهتها لما بقي فرق بين الذهول والنسيان واعترض بأنه يجوز أن لا تكون محفوظة إلا في الحس المشترك ويكون الحضور والإدراك بالتفات النفس والذهول بعدمه وأجيب بأنه لو كان كذلك لم يبق فرق بين المشاهدة والتخيل لأن كلا منهما حضور لصورة المحسوس في الحس المشترك من جهة الحواس بالتفات النفس ومعلوم أن تخيل المبصر ليس إبصارا ولا تخيل المذوق ذوقا وكذا البواقي بل المشاهدة ارتسام من جهة الحواس والتخيل من جهة الخيال وفيه نظر لجواز أن يكون الفرق عائدا إلى الحضور عند الحواس والغيبة عنها أو إلى قوة الارتسام وضعفه ولا يكون الإدراك والحفظ إلا في قوة واحدة قال وأضعف منهما الإبطال احتج الإمام على إبطال الخيال بأن من طاف في العالم ورأى البلاد والأشخاص الغير المعدودة فلو انطبعت صورها في الروح الدماغي فإما أن يحصل جميع تلك الصور في محل واحد فيلزم الاختلاط وعدم التمايز وإما أن يكون لكل صورة محل فيلزم ارتسام صورة في غاية العظم في جزء غاية الصغر والجواب أنه قياس للصور على الأعيان وهو باطل فإنه لا استحالة ولا استبعاد في توارد الصور على محل واحد مع تمايزها ولا في ارتسام صورة العظيم في المحل الصغير إنما ذلك في الأعيان الحالة في محلها حلول العرض في الموضوع أو الجسم في المكان (قال ومنها الوهم) هي القوة المدركة للمعاني الجزئية الموجودة في المحسوسات كالعداوة المعينة من زيد وقيد بذلك لأن مدركة العداوة الكلية من زيد هو النفس والمراد بالمعاني ما لا يدرك بالحواس الظاهرة فيقابل الصور أعني ما يدرك بها فلا يحتاج إلى تقييد المعاني بغير المحسوسة فإدراك تلك المعاني دليل على وجود قوة بها إدراكها وكونها مما لم يتأد من الحواس دليل على مغايرتها للحس المشترك وكونها جزئية دليل على مغايرتها للنفس الناطقة بناء على أنها لا تدرك الجزئيات بالذات هذا مع وجودها في الحيوانات العجم كإدراك الشاة معنى في الذئب بقي الكلام في أن القوة الواحدة لما جاز أن تكون آلة لإدراك أنواع المحسوسات لم لا يجوز أن تكون آلة لإدراك معانيها أيضا وأما إثبات ذلك بأنهم جعلوا من أحكام الوهم ما إذا رأينا شيأ أصفر فحكمنا بأنه عسل وحلو فيكون الوهم مدركا للصفرة والحلاوة والعسل جميعا ليصح الحكم وبأن مدرك عداوة الشخص مدرك له ضرورة فضعيف لأن الحاكم حقيقة هو النفس فيكون المجموع من الصور والمعاني حاضرا عندها بواسطة الآلات كل منها بآلتها الخاصة ولا يلزم كون محل الصور والمعاني قوة واحدة لكن يشكل هذا بأن مثل هذا الحكم قد يكون من الحيوانات العجم التي لا تعلم وجود النفس الناطقة لها قال ومنها الحافظة هي للوهم كالخيال للحس المشترك ووجه تغايرها أن قوة القبول غير قوة الحفظ والحافظة للمعاني غير الحافظ للصور ويسميها قوم ذاكرة إذ بها الذكر أعني ملاحظة المحفوظ
(٢٤)