الممكن بالفاعل اختلفوا في ماهيته فذهب المتكلمون إلى أنها بجعل الجاعل مطلقا أي بسيطة كانت أو مركبة وذهب جمهور الفلاسفة والمعتزلة إلى أنها ليست بجعل الجاعل مطلقا بمعنى أن شيئا منها ليس بمجعول وذهب بعضهم إلى أن المركبات المجعولة دون البسائط استدل المتكلمون بوجوه الأول أن كلا من المركبة والبسيطة ممكن لأن الكلام فيه وكل ممكن محتاج إلى الفاعل لما سيأتي من أن علة الاحتياج هي الإمكان ولما اعترض بأن الإمكان نسبة تقتضي الإثنيئية فتنافي البساطة أشار إلى الجواب بأنه ليس نسبة بين أجزاء الماهية حتى تختص بالمركبة بل بين الماهية ووجودها لكونه عبارة عن عدم ضرورة الوجود والعدم فمع قطع النظر عن الوجود لا يعقل عروض الإمكان للماهية بسيطة كانت أو مركبة ومعنى كونه ذاتيا لها أنها في نفسها بحيث إذا نسبها العقل إلى الوجود يعقل بينهما نسبة هي الإمكان وهذا المعنى كاف في الاحتياج إلى الفاعل وقد يجاب بأنه لو لم تكن البسيطة مجعولة لم تكن المركبة مجعولة لأنه إذا تقرر في الخارج جميع بسائط المركب حتى الجزء الصوري من غير جاعل تقرر المركب ضرورة لا يقال يجوز أن يكون لكل جزء تقرر ويتوقف تقرر المركب على تقرر المجموع كما سبق في مجموع التصورات وتصورالمجموع لأنا نقول الفرق بين مجموع التقررات وتقرر المجموع بحسب الخارج غير معقول وإنما ذلك بحسب العقل بأن يتعلق بالأمور المتعددة تارة تصورات متعددة وتارة تصور واحد من غير ملاحظة التفاصيل الثاني أن الفاعل لا بد أن يؤثر في الماهية ويجعلها تلك الماهية في الخارج حتى يتحقق الوجود لأن ذات المعلول عند إقنائها الوجود من الفاعل لا يجوز أن يكون حاصلة في الخارج بكمالها بل لا بد أن يبقى شيء منها يحصله الفاعل ولو هيئة اجتماعية وإلا لكان المعلول متحققا سواء تحقق الفاعل أو لا فلا يكون للفاعل تأثير فيه ولا له احتياج إلى الفاعل الثالث أنه لا تقرر للماهية في الخارج بذاتها لما سبق في بحث العدم فيكون بالفاعل ضرورة ولا معنى لمجعولية الماهية سوى هذا والجواب عن الأول أن معنى احتياج الممكن أن وجوده ليس من ذاته بل من الفاعل وعن الثاني أنه لا يدل إلا على أن ماهية المعلول لا تكون حاصلة متحققة بدون الفاعل والحصول والتحقق هو الوجود وهذا لا ينافي كونها متقررة في نفسها من غير احتياج لها إلى الفاعل ولا تأثير له فيها وعن الثالث أنه إن أريد بالتقرر التحقق والثبوت فهو الوجود وإن أريد كون الماهية في نفسها تلك الماهية في الخارج فلم يسبق ما يدل على أن ذلك بالفاعل فالوجوه الثلاثة على تقدير تمامها لا تفيد إلا كون الوجود بالفاعل الرابع أنه لا نزاع في أن للعلة جعلا وتأثيرا في الممكن فالمجعول إما الماهية أو الوجود أو اتصاف الماهية بالوجود أو انضمام الأجزاء بعضها إلى بعض في المركب خاصة وكل من الأمور الأربعة
(١٠٧)