شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٤٧
مقيما غير مسافر حتى لا تجب الإقامة وكذا وجوب الحج مقيد بالاستطاعة فلا يجب تحصيلها مطلقا بالنسبة إلى الإحرام ونحوه من الشرائط فيجب بل معناه الوجوب على تقدير وجود المقدمة وعدمها ووجوب المعرفة ليس مقيدا بالنظر بمعنى أنه لو نظر تجب المعرفة وإلا فلا يكون مطلقا وأما بالنسبة إلى الشك أو عدم المعرفة فقيد إذ لا وجوب على العارف فلا يكون تحصيل الشك أو عدم المعرفة واجبا ويندفع إشكال آخر هو نقض الدليل بهما وإنما لم يورد في المتن لما سيجيء من أن النزاع في مقدوريتهما وفي كون الشك غير واجب الخامس أنا لا نسلم أن مقدمة الواجب المطلق يلزم أن تكون واجبة لجواز إيجاب الشيء مع الذهول عن مقدمته بل مع التصريح بعدم وجوبها فإن قيل إيجاب الشيء بدون مقدمته تكليف بالمحال ضرورة استحالة الشيء بدون ما يتوقف عليه قلنا المستحيل وجود الشيء بدون وجود المقدمة ولا تكليف به وإنما التكليف بوجود الشيء بدون وجوب المقدمة ولا استحالة فيه فإن قيل لو لم تجب مقدمة الواجب المطلق لجاز تركها شرعا مع بقاء التكليف بالأصل لكونه واجبا مطلقا أي على تقدير وجود المقدمة وعدمها ولا خفاء في أنه مع عدم المقدمة محال فيكون التكليف به ح تكليفا بالمحال قلنا عدم جواز ترك الشيء شرعا قد يكون لكونه لازما للواجب الشرعي فيكون واجبا بمعنى أنه لا بد منه وهذا لا يقتضي كونه مأمورا به متعلقا بخطاب الشارع على ما هو المتنازع والجواب تخصيص الدعوى وهو أن المأمور به إذا كان شيئا ليس في وسع العبد إلا مباشرة أسباب حصوله كان إيجابه إيجابا لمباشرة السبب قطعا كالأمر بالقتل فإنه أمر باستعمال الآلة وحز الرقبة مثلا وههنا العلم نفسه ليس فعلا مقدورا بل كيفية فلا معنى لإيجابه إلا إيجاب سببه الذي هو النظر وليس هذا مبنيا على امتناع تكليف المحال حتى يرد الاعتراض بأنه جايز عندكم واعلم أنه لما كان المقصود وجوب النظر شرعا وقد وقع الإجماع عليه كما صرحوا به فلا حاجة إلى ما ذكروا من المقدمات ودفع الاعتراضات بل لو قصد إثبات مجرد الوجوب دون أن يكون بدليل قطعي لكفى التمسك بظواهر النصوص كقوله تعالى * (فانظر إلى آثار رحمة الله) * * (قل انظروا ماذا في السماوات) * إلى غير ذلك قال قالوا لو لم يجب إلا شرعا احتجت المعتزلة على أن وجوب النظر في المعجزة والمعرفة وسائر ما يؤدي إلى ثبوت الشرع عقلي بأنه لو لم يجب إلا بالشرع لزم إفحام الأنبياء فلم يكن للبعثة فائدة وبطلانه ظاهر ووجه اللزوم أن النبي عليه السلام إذا قال للمكلف انظر في معجزتي حتى يظهر لك صدق دعواي فله أن يقول لا أنظر مالم يجب علي لأن ترك غير الواجب جايز ولا يجب علي ما لم يثبت الشرع لأنه لا وجوب إلا بالشرع ولا يثبت الشرع مالم أنظر لأن ثبوته نظري لا ضروري فإن قيل قوله لا أنظر مالم يجب ليس بصحيح لأن النظر لا يتوقف على وجوبه قلنا نعم إلا أنه لا يكون
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»