شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٤٩
المقدور تحصيله أو استدامته بأن يحصل تصور الطرفين ويترك النظر في النسبة ولا شيء منهما بمقدمة واعتراض المواقف بأنه لو لم يكن مقدورا لم يكن العلم مقدورا لأنه ضده ونسبة القدرة إلى الضدين على السواء ساقط بما اعترف به من أن العلم ليس بمقدور وإنما المقدور تحصيله بمباشرة الأسباب وثانيهما أن وجوب النظر والمعرفة مقيد بالشك لما سبق من أنه لا إمكان للنظر بدونه فضلا عن الوجوب فهو لا يكون مقدمة للواجب المطلق بل للمقيد به كالنصاب للزكاة والاستطاعة للحج فلا يجب تحصيله ولما أن إيجاب المعرفة هو إيجاب النظر قال في المواقف أن وجوب المعرفة مقيد بالشك وإلا فالقول بوجوب الشك إنما يبنى على كونه مقدمة للنظر لا للمعرفة وكلا الوجهين ضعيف أما الأول فلأنهم لا يعنون بمقدورية مقدمة الواجب أن يكون من الأفعال الاختيارية بل أن يتمكن المكلف من تحصيله كالطهارة للصلاة وملك النصاب للزكاة ومعنى وجوبها وجوب تحصيلها وأما الثاني فلأنه يقتضي أن لا يجب النظر والمعرفة عند الوهم أو الظن أو التقليد أو الجهل المركب وفساده بين ويمكن دفع الوهم والظن بأن الشك يتناولهما لأن معناه التردد في النسبة إما على استواء وهو الشك المحض أو رجحان لأحد الجانبين وهو الظن والوهم ودفع التقليد والجهل المركب بأن الواجب معهما هو النظر في الدليل ومعرفة وجه دلالته ليؤولا إلى العلم وذلك لأن امتناع النظر والطلب عند الجزم بالمط أو نقيضه مما لم يقع فيه نزاع وقد يقال في رد الشك المحض أنه وإن كان مقدمة للنظر الواجب فليس من أسبابه ليكون إيجابه إيجابا له بمعنى تعلق خطاب الشارع به وفيه نظر لأن مراد أبي هاشم هو الوجوب العقلي كالنظر والمعرفة نعم لو قيل أنه ليس من المعاني التي يطلبها العاقل ويحكم باستحقاق تاركه الذم لكان سيئا وستعرف فساد النظر بمعرفة معنى الوجوب العقلي (قال المبحث السادس) قد سبقت إشارة إلى أن الحركة الأولى من النظر تحصل مادة مركب يوصل إلى المط والثانية صورته والمط إما تصورا وتصديق فالموصل إلى التصور ويسمى المعرف إما حدا ورسم وكل منهما إما تام أو ناقص لأن التمييز أمر لا بد منه في التعريف لامتناع المعرفة بدون التمييز عند العقل فالمميز إن كان ذاتيا للماهية يسمى المعرف حدا لأنه في اللغة المنع ولا بد في المعرف من منع خروج شيء من الإفراد ودخول شيء فيه مما سواها فما كان ذلك فيه باعتبار الذات والحقيقة كان أولى بهذا الاسم وإن كان عرضيا لها سمي المعرف رسما لكونه بمنزلة الأثر يستدل به على الطريق ثم المميز إن كان مع كمال الجزء المشترك أعني ما يقع جواب السؤال بما هو عن الماهية وعن كل ما يشاركها وهو المسمى بالجنس القريب فالمعرف تام أما الحد فلاشتماله على جميع الذاتيات وأما الرسم فلاشتماله على كمال الذاتي المشترك وكمال العرضي المميز وإلا فناقص فالحد التام واحد ليس إلا وهو الجنس القريب مع الفصل القريب ويشترط
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»