من ثبوت أيهما كان عدم الآخر يعني إذا ثبت المنافاة بينهما في الصدق والكذب جميعا كما في الحقيقة يلزم من ثبوت صدق كل عدم صدق الآخر ومن ثبوت كذب كل عدم كذب الآخر وإذا كان في الصدق فقط يلزم من ثبوت صدق كل عدم صدق الآخر وإذا كان في الكذب فقط يلزم من ثبوت كذب كل عدم كذب الآخر (قال وقد يقال الدليل) في اصطلاح المنطق هو المقدمات المرتبة المنتجة للمطلوب وقد يقال للأمر الذي يمكن أن يتأمل فيه وتستنبط المقدمات المرتبة كالعالم للصانع فيفسر بما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى حكم قطعيا كان أو ظنيا وذكر الإمكان لأن الدليل لا يخرج عن كونه دليلا بعدم النظر فيه وقيد النظر بالصحيح لأنه لا توصل بالفاسد إليه وذلك بأن لا يكون النظر فيه من جهة دلالته وأطلق الحكم ليتناول التفسير الإمارة وكثيرا ما يخص الدليل بما يفيد العلم ويسمى ما يتوصل به إلى الظن إمارة والاستدلال هو التوصل المذكور وقد يخص بما يكون من الأثر إلى المؤثر كالتوصل بالنظر في العالم إلى الصانع ويسمى عكسه تعليلا كالتوصل بالنظر في النار إلى الإشراق أي إلى التصديق بذلك وما يقال أن الدليل هو الذي يلزم من العلم به العلم بوجود المدلول فمعناه العلم بتحقق النسبة إيجابا كان أو سلبا من غير اعتبار وصف المدلولية حتى كأنه قيل بتحقق شيء آخر وهو المدلول وحتى لا يخرج مثل الاستدلال بنفي الحياة على نفي العلم ولا يلزم الدور بناء على تضايف الدليل والمدلول وذلك لأن الدليل عندهم اسم لما يفيد التصديق دون التصور والعلم قسم من التصديق يقابل الظن وعلى هذا فمعنى العلم بالدليل إذا حملناه على مثل العالم للصانع هو العلم بما يؤخذ من النظر في وجه دلالته من المقدمات المرتبة مع سائر الشرائط التي من جملتها التفطن لجهة الإنتاج وكيفية الاندراج إذ لا يلزم العلم بالمدلول إلا حينئذ لا يقال العلم بالنتيجة لازم للعلم بالمقدمات المرتبة إلا أنه قد يفتقر إلى وسط لكونه غير بين لأنا نقول لو كان كذلك لامتنع تحقق العلم الأول بدون الثاني كالمثلث لا يتحقق بدون تساوي زواياه القائمتين والموقوف على الوسط إنما هو العلم بذلك والحاصل أن اللازم يمتنع انفكاكه عن الملزوم بينا كان أو غير بين والتفرقة إنما تظهر في العلم باللزوم وبتحقق اللازم (قال والدليل) قد يقسم إلى العقلي والنقلي وقد يقسم إليهما وإلى المركب من العقلي والنقلي وهذا يوهم أن المراد بالنقلي ما لا يكون شيء من مقدماته عقليا وهو باطل إذ لو لم تنته سلسلة صدق المخبرين إلى من يعلم صدقه بالعقل لزم الدور أو التسلسل فدفع ذلك بأن من حصره فيهما أراد بالنقلي ما يتوقف شيء من مقدماته القريبة أو البعيدة على النقل والسماع من الصادق وبالعقلي مالا يكون كذلك ومن ثلث القسمة أراد بالنقلي ما يكون جميع مقدماته القريبة نقلية كقولنا الحج واجب وكل واجب فتاركه يستحق العقاب وبالمركب ما يكون بعض مقدماته القريبة عقليا وبعضها نقليا كقولنا الوضوء عمل وكل عمل فصحته الشرعية
(٥٢)