شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٦
ولو صح هذا الاعتراض لارتفع علاقة اللزوم بين الممكنات فلم يكن تصور الابن مستلزما لتصور الأب ووجود العرض مستلزما لوجود الجوهر إلى غير ذلك والحاصل أن لزوم العلم للنظر عقلي عندهم حتى يمتنع الانفكاك كتصور الأب لتصور الابن وعادي عند الأولين حتى لا يمتنع الانفكاك بطريق خرق العادة كالإحراق بالنار وإلى المذاهب الثلاثة لأصحابنا أشار في المتن بقوله عادة مع الكسب أو بدونه أو لزوما عقليا قال فإن قيل تقدير السؤال أن الحكم بأن النظر يفيد العلم إما أن يكون ضروريا أو نظريا وكلاهما باطل أما الأول فلأنه لو كان ضروريا لما وقع فيه اختلاف العقلاء كسائر الضروريات ولكان مثل قولنا الواحد نصف الاثنين في الوضوح من غير تفاوت لأن التفاوت دليل الاحتمال والاشتباه وهو بنا في الضرورة وكلا اللازمين منتف لوقوع الاختلاف وظهور التفاوت وأما الثاني فلأنه لو كان نظريا لكان إثباته بالنظر وفيه دور من جهة توقفه على الدليل وعلى استلزامه المدلول وهو معنى الإفادة وتناقض من جهة كونه معلوما لكونه وسيلة وليس بمعلوم لكونه مطلوبا وهذا معنى قولهم إثبات النظر بالنظر تناقض فإن قيل معنى إثبات القضية النظرية أن العلم بها يستفاد من النظر بأن يعلم المقدمات مرتبة فيعلم النتيجة وهذا إنما يتوقف على كون النظر مفيدا للعلم لا على العلم بذلك فالموقوف هو التصديق والموقوف عليه هو الصدق وهذا كما أن تصور الماهية مستفاد من الخاصة اللازمة بمعنى أنها تتصور فيتصور وإن لم يعلم الاختصاص واللزوم قلنا مبنى الكلام على أن اللازم في القياس هو صدق النتيجة والملزوم صدق المقدمات المرتبة وأما التصديق بالنتيجة أعني العلم بحقيقتها فإنما يستلزمه التصديق بالمقدمات المرتبة وكونها مستلزمة للمطلوب بديهة أو اكتسابا على ما تقرر من أن العلم بتحقق اللازم يستفاد من العلم باللزوم وبتحقق الملزوم وهذا بخلاف التعريف بالخاصة فإن اللزوم متحقق بين التصورين حتى لو كان التصديق بالمقدمات مع التصديق بالنتيجة كذلك سقط السؤال وتقرير الجواب أنا نختار أنه ضروري ولا نسلم امتناع الاختلاف والتفاوت في الضروريات بل قد يختلف فيها جمع من العقلاء لخفاء في تصورات الأطراف وعسر في تجريدها عن اللواحق المانعة عن ظهور الحكم وقد يقع فيها التفاوت لتفاوتها في ذلك وفي كثرة التفات النفس إليها أو يختار أنه نظري يثبت بنظر مخصوص ضروري المقدمات ابتداء وانتهاء من غير لزوم دور أو تناقض بأن يقال في قولنا العالم متغير وكل متغير حادث أن هذا الترتيب المخصوص أو العلوم المرتبة نظر إذ لا معنى له سوى ذلك ثم أنه يفيد بالضرورة العلم بأن العالم حادث ينتج أن نظرا ما يفيد العلم على ما ادعاه الإمام وإن شئنا إثبات القاعدة الكلية على ما ادعاه الآمدي
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»