شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٤٣
للبعض من دليل ولبعض آخر من دليل آخر وربما يحصل من الاجتماع كما في الإقناعيات وقال الإمام النظر في الدليل الثاني نظر في وجه دلالته أي المط منه كونه دليلا على النتيجة وهو غير معلوم والحق أن هذا لازم لكن المطلوب والنتيجة اسم لما يلزم المقدمات بالذات وبالتعيين وهو القضية التي موضوعها موضوع الصغرى ومحمولها محمول الكبرى وأما النظر الصحيح فيشترط أن يكون نظرا في الدليل دون الشبهة وأن يكون النظر فيه من جهة دلالته وهي الأمر الذي بواسطته ينتقل الذهن من الدليل إلى المدلول فإذا استدللنا بالعالم على الصانع بأن نظرنا فيه وحصلنا قضيتين إحداهما أن العالم حادث والأخرى أن كل حادث له صانع ليعلم من ترتيبهما أن العالم له صانع فالعالم هو الدليل عند المتكلمين لا نفس المقدمتين المرتبتين على ما هو اصطلاح المنطق وثبوت الصانع هو المدلول وكون العالم بحيث يفيد النظر فيه العلم بثبوت الصانع هو الدلالة وإمكان العالم وحدوثه الذي هو سبب الاحتياج إلى المؤثر هو جهة الدالة وهذه الأربعة أمور متغايرة بمعنى أن المفهوم من كل منها غير المفهوم من الآخر فتكون العلوم المتعلقة بها متغايرة بحسب الإضافة قال حجة الإسلام لما كان جهة الدلالة في القياس هو التفطن لوجود النتيجة بالقوة في المقدمة أشكل على الضعفاء فلم يعرفوا أن وجه الدلالة عين المدلول أو غيره والحق أن المطلوب هو المدلول المنتج وأنه غير التفطن لوجوده في المقدمة بالقوة وبالجملة فالمشهور من الاختلاف في هذا البحث هو الاختلاف في مغايرة جهة الدلالة للمدلول فيتفرع عليه الاختلاف في تغاير العلم بهما على ما قال الإمام الرازي وغيره أن العلم بوجه دلالة الدليل هل يغاير العلم بالمدلول فيه خلاف والحق المغايرة لتغاير المدلول ووجه الدلالة وأما ما ذكر في المواقف من أن الخلاف في أن العلم بدلالة الدليل هل يغاير العلم بالمدلول وفي أن وجه الدلالة هل يغاير الدليل فلم يوجد في الكتب المشهورة إلا أن الإمام ذكر في بيان مغايرة العلم بوجه الدلالة للعلم بالمدلول أن ههنا أمور الثلاثة هي العلم بذات الدليل كالعلم بإمكان العالم والعلم بذات المدلول كالعلم بأنه لا بدله من مؤثر والعلم بكون الدليل دليلا على المدلول ولا خفاء في تغاير الأولين وكذا في مغايرة الثالث لهما لكونه علما بإضافة بين الدليل والمدلول مغايرة لهما وهذا الكلام ربما يوهم خلافا في مغايرة العلم بدلالة الدليل للعلم بالمدلول حيث احتيج إلى البيان وجعل العلم بإمكان العالم مع أنه وجه الدلالة مثالا للعلم بذات الدليل يوهم القول بأن وجه الدلالة نفس الدليل وفي نقد المحصل ما يشعر بالخلاف في وجوب مغايرته للدليل والمدلول لأنه قال أن هذه المسألة إنما تجري بين المتكلمين عند استدلالهم بوجود ما سوى الله تعالى على وجوده تعالى فيقولون لا يجوز أن يكون وجه دلالة وجود ما سوى الله تعالى على وجوده مغايرا لهما لأن المغاير لوجوده تعالى داخل في وجود ما سواه والمغاير لوجود ما سواه هو وجوده فقط والجواب أن العلم بوجه دلالة الدليل على المدلول الذي هو
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»