شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٤٥
الواجب المطلق الذي هو المعرفة وكل مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق فهو واجب شرعا إن كان وجوب الواجب المطلق شرعيا كما هو رأينا أو عقلا إن كان عقليا كما هو رأي المعتزلة لئلا يلزم تكليف المحال أما كون النظر مقدورا فظاهر وأما توقف المعرفة عليه فلأنها ليست بضرورية بل نظرية ولا معنى للنظري إلا ما يتوقف على النظر ويتحصل به وأما وجوب المعرفة فعندنا بالشرع للنصوص الواردة فيه والإجماع المنعقد عليه واستناد جميع الواجبات إليه وعند المعتزلة بالعقل لأنها دافعة للضرر المظنون وهو خوف العقاب في الآخرة حيث أخبر جمع كثير بذلك وخوف ما يترتب في الدنيا على اختلاف الفرق في معرفة الصانع من المحاربات وهلاك النفوس وتلف الأموال وكل ما يدفع الضرر المظنون بل المشكوك واجب عقلا كما إذا أراد سلوك طريق فأخبر بأن فيه عدوا أو سبعا ورد بمنع ظن الخوف في الأعم الأغلب إذ لا يلزم الشعور بالاختلاف وبما يترتب عليه من الضرر ولا بالصانع وبما رتب في الآخرة من الثواب والعقاب والإخبار بذلك إنما يصل إلى البعض وعلى تقدير الوصول لا رجحان لجانب الصدق لأن التقدير عدم معرفة الصانع وبعثة الأنبياء ودلالة المعجزات ولو سلم ظن الخوف فلا نسلم أن تحصيل المعرفة يدفعه لأن احتمال الخطأ قائم فخوف العقاب أو الاختلاف بحاله والعناء زيادة فإن قيل لا شك أن من حصل المعرفة أحسن حالا ممن لم يحصل لاتصافه بالكمال وتحصيل الأحسن واجب في نظر العقل قلنا نعم إذا حصلت المعرفة على وجهها ولا قطع بذلك بل ربما يحصل ويقع في أودية الضلال فيهلك ولهذا قيل البلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء هذا بعد تسليم وجوب الأحسن وتقرير السؤال على ما ذكرنا تتميم للدليل المذكور لبيان وجوب المعرفة وعلى ما في المواقف وهو أن الناظر أحسن حالا ابتداء دليل على وجوب النظر عقلا وأورد على هذا الاستدلال إشكالات بعضها غير مختص به ولا مفتقر إلى حله لكونه منعا على مقدمات مثبتة مقررة مثل إفادة النظر العلم مطلقا وفي الإلهيات وبلا معلم وإمكان تحقق الإجماع ونقله وكونه حجة وبعضها مختص به مفتقر إلى دفعه وهي خمسة الأول أن وجوب المعرفة فرع إمكان إيجابها وهو ممنوع لأنه إن كان للعارف كان تكليفا بتحصيل الحاصل وهو محال وإن كان لغيره كان تكليفا للغافل وهو باطل والجواب أن إمكانه ضروري والسند مدفوع بأن الغافل من لم يبلغه الخطاب أو بلغه ولم يفهمه لا من لم يكن عارفا بما كلف بمعرفته وتحقيقه أن المكلف بمعرفة أن للعالم صانعا قديما متصفا بالعلم والقدرة مثلا يكون عارفا بمفهومات هذه الألفاظ مكلفا بتحصيل هذا التصديق وتصور تلك المفهومات بقدر الطاقة البشرية الثاني أنا لا نسلم قيام الدليل على وجوب المعرفة أما النص مثل قوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله فلأنه ليس بقطعي الدلالة إذ الأمر قد يكون لا للوجوب
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»