شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٥٦
طرق الاكتساب حتى ذهب جمهور الحكماء إلى أنه لا شيء أعرف من الوجود وعولوا على الاستقراء إذ هو كاف في هذا المطلوب لأن العقل إذا لم يجد في معقولاته ما هو أعرف منه بل هو في مرتبته ثبت أنه أوضح الأشياء عند العقل والمعنى الواضح قد يعرف من حيث أنه مدلول لفظ دون لفظ فيعرف تعريفا لفظيا يفيد فهمه من ذلك اللفظ لا تصوره في نفسه ليكون دور أو تعريفا للشيء بنفسه وذلك كتعريفهم الوجود بالكون والثبوت والتحقق والشيئية والحصول ونحو ذلك بالنسبة إلى من يعرف معنى الوجود من حيث أنه مدلول هذه الألفاظ دون لفظ الوجود حتى لو انعكس انعكس وأما التعريف بالثابت العين أو بالذي يمكن أن يخبر عنه ويعلم أو بالذي ينقسم إلى الفاعل والمنفعل أو بالذي ينقسم إلى القديم والحادث فإن قصد كونه رسميا فلزوم الدور ظاهر إذ لا يعقل معنى الذي ثبت والذي أمكن ونحو ذلك إلا بعد تعقل معنى الحصول في الأعيان أو الأذهان ولو سلم فلا خفاء في أن معنى الوجود أوضح عند العقل من معاني هذه العبارات وقد يقرر الدور بأن الموصوف المقدر لهذه الصفات أعني الذي يثبت والذي يمكن والذي ينقسم هو الوجود لا غير لأن غيره إما الموجود أو العدم أو المعدوم ولا شيء منها يصدق على الوجود وهو ضعيف لأن المفهومات لا تنحصر فيما ذكر فيجوز أن يقدر مثل المعنى والأمر والشيء مما يصدق على الوجود وغيره وإن قصد كونه تعريفا اسميا فلا خفاء في أنه ليس أوضح دلالة على المقصود من لفظ الوجود بل أخفى فلا يصلح تعريفا اسميا كما لا يصلح رسميا على أن كلا منها صادق على الموجود وبعضها على أعيان الموجودات وقد يتكلف لعدم صدق الثابت العين على الموجود بأن معناه الثابت عينه أي نفسه من حيث هي هي لا باعتبار أمر آخر بخلاف الموجود فإنه ثابت من حيث اتصافه بالوجود فالثابت أعم من أن يكون ثابتا بنفسه وهو الوجود أو بالوجود وهو الموجود وأنت خبير بأنه لا دلالة للفظ عينه على هذا المعنى ولا يعقل من الثابت إلا ما له الثبوت وهو معنى الموجود وكون هذه التعريفات للوجود هو ظاهر كلام التجريد والمباحث المشرقية وفي كلام المتقدمين أن الموجود هو الثابت العين والمعدوم هو المنفي العين وكأن زيادة لفظ العين لدفع توهم أن يراد الثابت لشيء والمنفي عن شيء فإن ذلك معنى المحمول لا الموجود وفي كلام الفارابي أن الوجود إمكان الفعل والانفعال والموجود ما أمكنه الفعل والانفعال قال واستدل كأن الإمام جعل التصديق ببداهة تصور الوجود كسبيا فاستدل عليه بوجوه الأول أن التصديق بأن الوجود والعدم متنافيان لا يصدقان معا على أمر أصلا بل كل أمر فإما موجود أو معدوم تصديق بديهي وهو مسبوق بتصور الوجود والعدم فهو أولى بالبداهة والجواب
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»