إلى شيء إلى أن يحصل له العلوم المرتبة المؤدية إلى ذلك المطلوب فمن ههنا يقال النظر تجريد الذهن عن الغفلات بمعنى إخلائه عن الصوارف والشواغل العائقة عن إشراق النور الإلهي الموجب لفيضان المطلوب أو تحديق العقل نحو المعقولات طلبا لما يعده لفيضان المطلوب عليه ولما كان امتياز النظر عن سائر حركات النفس بالغاية في غاية الظهور حتى إن شيئا من تفاسيره لا يخلو عن إشارة إليها ذهب المتكلمون إلى أنه الفكر الذي يطلب به علم أو ظن والمراد بالفكر حركة النفس في المعاني واحترز بقيد المعاني عن التخيل على ما قال في شرح الإشارات أن الفكر قد يطلق على حركة النفس بالقوة التي آلتها مقدم البطن الأوسط في الدماغ أي حركة كانت إذا كانت تلك الحركة في المعقولات وأما إذا كانت في المحسوسات فقد تسمى تخيلا فما وقع في المواقف أن المراد به الحركات التخييلية ليس كما ينبغي والصواب ما ذكر في شرح الأصول أنه انتقال النفس في المعاني انتقالا بالقصد وكأنه احترز بالقصد عن الحدس وعن سائر حركاتها لا عن قصد وبالجملة هو بمنزلة الجنس للنظر على ما قال إمام الحرمين أن الفكر قد يكون لطلب علم أو ظن فيسمى نظرا وقد لا يكون كأكثر حديث النفس فسقط اعتراض الآمدي بأن لفظ الفكر زائد لأن باقي الحد مغن عنه واعتذاره بأنه لم يجعله جزأ من الحد بل كأنه قال النظر الفكر وهو الذي يطلب به علم أو ظن وإن كان صحيحا من جهة أن الفكر في الاصطلاح المشهور كالمرادف للنظر لا أعم منه ليمتنع تفسيره بما يطلب به علم أو ظن لكنه بعيد من جهة أن العبارة لا تدل عليه أصلا ولم يعهد في التعريفات أن يقال الإنسان البشر الذي هو حيوان ناطق مثلا على أن مجرد قولنا الذي يطلب به علم أو ظن لا يصلح تفسيرا للنظر والفكر إلا بتكلف وأما اعتراضه بأن الظن قد لا يكون مطابقا وهو جهل يمتنع أن يكون مطلوبا فمدفوع بأن المطلوب هو الظن من حيث أنه ظن وهو لا يستلزم طلب الأخص أعني غير المطابق ليلزم طلب الجهل وفي عبارة القاضي أبي بكر علم أو غلبة ظن واعترض بأنه لا يتناول ما يطلب به أصل الظن وأجاب الآمدي بأن كلا من طلب العلم وطلب الظن وطلب غلبته خاصة للنظر ولا خلل في الاقتصار على بعض الخواص ورده في المواقف بأن هذا إنما يكون في الخاصة الشاملة وظاهر أن شيئا من الثلاثة ليست كذلك ولهذا لم يجز الاقتصار على قولنا يطلب به علم لخروج ما يطلب به ظن بل وجب في تعريف الشيء بالخواص التي لا يشمل كل منها إلا بعض اقسامه أن يذكر الجميع بطريق التقسيم تحصيلا لخاصة شاملة لكل فرد هي كونه على أحد الأوصاف وتقع كلمة أو لبيان أقسام المحدود لا للإبهام والترديد لينافي التحديد فأجاب بأن الظن هو المعبر عنه بغلبة الظن لأن الرجحان مأخوذ في حقيقته إذ هي الاعتقاد الراجح وهذا عذر غير واضح لأن اعتبار رجحان الحكم في حقيقته لا يصلح مصححا أو باعثا على التعبير عنه برجحان الظن اللهم إلا أن يريد
(٣٢)