أنا لا نسلم عدم الواسطة بين الوجود والعدم وسيجئ بجوابه على أنها لا تعقل بين الكون واللاكون وما ذكر في المواقف من أن القائلين بها بلغوا في الكثرة حدا يقوم الحجة بقولهم معناه أنه قد يكون حجة وذلك عند الإخبار عن محسوس ففي المعقول يكون شبهة لا أقل قال ومنهم من قدح فيهما أي في الحسيات والبديهيات جميعا وهم السوفسطائية قال في تلخيص المحصل أن قوما من الناس يظنون أن السوفسطائية قوم لهم نحلة ومذهب ويتشعبون إلى ثلث طوائف اللاأدرية وهم الذين قالوا نحن شاكون وشاكون في أنا شاكون وهلم جرا والعنادية وهم الذين يقولون ما من قضية بديهية أو نظرية إلا ولها معارضة ومقاومة مثلها في القبول والعندية وهم الذين يقولون مذهب كل قوم حق بالقياس إليهم وباطل بالقياس إلى خصومهم وقد يكون طرفا النقيض حقا بالقياس إلى شخصين وليس في نفس الأمر شيء بحق والمحققون على أن السفسطة مشتقة من سوفا أسطا ومعناه علم الغلط والحكمة المموهة لأن سوفا اسم للعلم وأسطا للغلط ولا يمكن أن يكون في العالم قوم ينتحلون هذا المذهب بل كل غالط سوفسطائي في موضع غلطه ثم لا يخفى ما في كلام العنادية والعندية من التناقض حيث اعترفوا بحقية إثبات أو نفي سيما إذا تمسكوا فيما ادعوا بشبهة بخلاف اللاأدرية فإنهم أصروا على التردد والشك في كل ما يلتفت إليه حتى في كونهم شاكين وتمسكوا بأنه لا وثوق على حكم الحس والعقل لما مر من شبه الفريقين ولا على الاستدلال لكونه فرعهما فلم يبق إلا طريق التوقف وغرضهم من هذا التمسك حصول الشك والتهمة لا إثبات أمرا ونفيه فلهذا كانوا مثل طريقة من العنادية والعندية والمحققون على أنه لا سبيل إلى البحث والمناظرة معهم لأنها لإفادة المجهول بالمعلوم وهم لا يعترفون بمعلوم أصلا بل يصرون على إنكار الضروريات أيضا حتى الحسيات والبديهيات وفي الاشتغال بإثباتهما التزام لمذهبهم وتحصيل لغرضهم من كون الحسيات والبديهيات غير حاصلة بالضرورة بل مفتقرة إلى الاكتساب إذ عندنا لا يتصور كون الضروري مجهولا يستفاد بالمعلوم فالطريق معهم التعذيب ولو بالنار فإما أن يعترفوا بالألم وهو من الحسيات وبالفرق بينه وبين اللذة وهو من العقليات وفيه بطلان لمذهبهم وانتفاء لملتهم وإما أن يصروا على الإنكار فيحترقوا وفيه اضمحلال لثائرة فتنهم وانطفاء لنائر شعلتهم قال الفصل الثالث في النظر أورد فيه ستة مباحث أولها في بيان حقيقته ولا خفاء في أن كل مطلوب لا يحصل من أي مبدأ يتفق بل لا بد من مباد مناسبة له والمبادي لا توصل إليه كيف اتفقت بل لا بد من هيئة مخصوصة فإذا حاولنا تحصيل مطلوب تصوري أو تصديقي ولا محالة يكون مشعورا به من وجه تحركت الناس منه
(٣٠)