فلأنه لا يحيط بها كيف وهي لا تقتصر على الأفراد المحققة وأما في الجزئيات فلأنه كثيرا ما يكون حكمه فيها غلطا بأن يقع الحكم في المحسوسات على خلاف ما هو عليه فإنا نرى الصغير كبيرا وبالعكس والواحد كثيرا وبالعكس والساكن متحركا إلى غير ذلك كما نرى العنبة في الماء كالإجاصة والجرة من بعيد كالكوز والقمر في الماء قمرين والألوان المختلفة في الخطوط المخرجة من مركز الرحى إلى محيطها عند إدارتها لونا واحدا ممتزجا من الكل ويرى من في السفينة السفينة ساكنة وهي متحركة والشط متحركا وهو ساكن إلى غير ذلك والجواب أن غلطه في بعض الصور لا ينافي الجزم المطابق في كثير من الصور كما في الحكم بأن الشمس مضيئة والنار حارة إذا لعقل قاطع بأنه لا غلط هناك من غير افتقار إلى نظر وإن كان ذلك بمعونة أمور لا تعلم على التفصيل وهذا ما قال في المواقف إن مقتضى ما ذكر من الشبه أن لا يجزم العقل بأحكام المحسوسات لمجرد الحس إلا أن لا يوثق بجزمه بما جزم به وكونه محتملا أي ولا أن يكون كل ما جزم به العقل من أحكام المحسوسات محتملا أي بصدد الاحتمال بناء على عدم الوثوق بما وقع فيه من الجزم فقوله وكونه محتملا مرفوع معطوف على أن لا يوثق لا مجرور معطوف على جزمه كما يتوهم إذ ليس فيه كثير معنى قال ومنهم من قدح في البديهيات قالوا أنها فرع الحسيات لأن الإنسان إنما يتنبه للبديهيات بعد الإحساس بالجزئيات والتنبه لما بينهما من المشاركات والمباينات ولا يلزم من القدح في الفرع القدح في الأصل وإنما يلزم لو كان الفرع لازما له نظرا إلى ذاته ووجه القدح أن أجلى التصديقات البديهية وإعلاها قولنا النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان بمعنى أن الشيء إما أن يكون وإما أن لا يكون وهذا غير موثوق به أما كونه أجلى فجلي وأما كونه أعلى أي أسبق فلتوقف الكل عليه واستنادها إليه مثلا يلاحظ في قولنا الكل أعظم من الجزء أنه لو لم يكن كذلك لكان الجزء الآخر كائنا وليس بكائن وفي قولنا الجسم الواحد لا يكون في آن واحد في مكانين أنه لو وجد فيها لكان الواحد اثنين فيكون أحد المثلين كأئنا وليس بكائن وعلى هذا القياس وأما عدم الوثوق فلأن العلم بحقيقة هذه القضية وقطعيتها يتوقف على تصور الوجود والعدم أعني الكون واللاكون وعلى تحقيق معنى كون الشيء موضوعا وكونه محمولا وعلى دفع الشبهات التي تورد على الأمرين وهذه الأمور الثلاثة إنما نتبين بأنظار دقيقة فإن تمت الأنظار وحصلت المطالب ويتوقف لا محالة على حقية هذه القضية لكونها أول الأوائل لزم الدور وكون الشيء نظريا على تقدير كونه ضروريا وهو محال وإن بقي شيء منها في حيز الإبهام لم يحصل الجزم بالقضية وهو المرام والجواب أن بديهة العقل جازمة بها وبحقيتها من غير نظر واستدلال في تحقيق النسبة ولا في دفع الشبهة وما يورد من الشكوك لا يورث قدحا في ذلك الجزم ولا يمكن دفعه
(٢٨)