شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٥
في عدم المقدورية وبين منع وجود الحكم في الأصل ساى لانم أن التذكر لا يولد العلم عند كونه بقدرة العبد وإنما ذلك عند كونه سانحا للذهن من غير قصد العبد فإنه يكون فعل الله تعالى فلو قلنا بتولد العلم عنه لكان أيضا فعل الله تعالى فلا يصح تكليف العبد به وفي نهاية العقول ما يشعر بأن علة عدم التوليد في التذكر هو لزوم اجتماع الموجبين على أثر واحد لأنه قال التذكر عبارة عن وجود علمين أحدهما العلم بالمقدمات التي سبقت والآخر العلم بأنه كان قد أتى بتلك العلوم ثم ليس أحد العلمين أولى بالتوليد من الآخر فيلزم أن يكون كل منهما مولدا للعلم بالنتيجة وهو محال ويجوز أن تكون العلة هو لزوم حصول الحاصل إذ التذكر إنما يكون بعد النظر وقد حصل به العلم وعلى هذا لا يكون التذكر مفيدا للعلم أصلا وعند الفلاسفة هي بطريق الوجوب لتمام القابل مع دوام الفاعل وذلك أن النظر يعد الذهن لفيضان العلم عليه من عند واهب الصور الذي هو عندهم العقل الفعال المنتقش بصورالكائنات المفيض على أنفسنا بقدر الاستعداد عند اتصالها به وزعموا أن اللوح المحفوظ والكتاب المبين في لسان الشرع عبارتان عنه وههنا مذهب آخر اختاره الإمام الرازي وذكر حجة الإسلام الغزالي أنه المذهب عند أكثر أصحابنا وهو أن النظر يستلزم العلم بالنتيجة بطريق الوجوب الذي لا بد منه لكن لا بطريق التوليد على ما هو رأي المعتزلة وهذا ما نقل عن القاضي أبي بكر وإمام الحرمين أن النظر يستلزم العلم بطريق الوجوب من غير أن يكون النظر علة أو مولدا أو صرح بذكر الوجوب لئلا يحمل الاستلزام على الاستعقاب العادي فيصير هذا هو المذهب الأول وقد صرح الإمام الغزالي بأن هذا مذهب أكثر أصحابنا والأول مذهب بعضهم واستدل الإمام الرازي على الوجوب بأن من علم أن العالم متغير وكل متغير ممكن فمع حضور هذين العلمين في الذهن يمتنع أن لا يعلم أن العالم ممكن والعلم بهذا الامتناع ضروري وكذا في جميع اللوازم مع الملزومات وعلى بطلان التوليد بأن العلم في نفسه ممكن فيكون مقدورا لله تعالى فيمتنع وقوعه بغير قدرته فتوجه اعتراض المواقف بأنه لما كان فعل القادر امتنع أن يكون واجبا فإنه الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك من غير وجوب عليه أو عنه لا يقال المراد الوجوب بالاختيار على ما سيجيء لأنا نقول فح يجوز أن لا يقع بأن لا تتعلق به القدرة والاختيار ويكون هذا هو المذهب الأول بعينه والجواب أن وجوب الأثر كالعلم مثلا بمعنى امتناع انفكاكه عن أثر آخر كالنظر لا ينافي كونه أثر المختار جائز الفعل والترك بأن لا يخلقه ولا ملزومه لا بأن يخلق الملزوم ولا يخلقه كسائر اللوازم الممكنة مثل وجود الجوهر لوجود العرض وتحقيقه أن جواز الترك أعم من أن يكون بوسط أو بلا وسط وأن جواز ترك المقدور لا يمتنع أن يكون مشروطا بارتفاع مانع هو أيضا مقدور وهذا كالمتولدات عند من يقول من المعتزلة بكونها بقدرة العبد وإنما المنافي له امتناع انفكاكه عن المؤثر بأن لا يتمكن من تركه أصلا
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»