منتهى مقدمات القياس ويدعي كونه ضروريا هل هو منها ولم يشتغلوا بضبط التصورات الضرورية وكأنها ترجع إلى البديهيات والمشاهدات وحصروا التصديقات الضرورية في ست البديهيات والمشاهدات والفطريات والمجريات والمتواترات والحدسيات لأن القضايا إما أن تكون تصور أطرافها بعد شرائط الإدراك من الالتفات وسلامة الآلات كافيا في حكم العقل أولا فإن كان كافيا فهي البديهيات وإن لم يكن كافيا فلا محالة يحتاج إلى أمر ينضم إلى العقل ويعينه على الحكم أو إلى القضية أو إليهما جميعا فالأول المشاهدات لاحتياجها إلى الإحساس والثاني لا يخلو من أن يكون ذلك الأمر لازما وهي الفطريات أو غير لازم وحينئذ إن كان حصوله بسهولة فهي الحدسيات وإلا فليست من الضروريات بل من النظريات والثالث إن كان حصوله بالأخبار فالمتواترات وإلا فالمجريات أما البديهيات وتسمى أوليات فهي قضايا بحكم العقل بها بمجرد تصور طرفيها كالحكم بأن الواحد نصف الاثنين والجسم الواحد لا يكون في آن واحد في مكانين وقد يتوقف فيه العقل لعدم تصور الطرفين كما في قولنا الأشياء المتساوية لشيء واحد متساوية أو لنقصان الغريزة كما في الصبيان والبله أو لتدنيس الفطرة بالعقائد المضادة كما في بعض الجهال أو لأن الله لا يخلقه على ما هو المذهب وأما المشاهدات فهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة الحواس الظاهرة وتسمى حسيات كالحكم بأن الشمس نيرة والنار حارة أو الباطنة وتسمى وجدانيات كالحكم بأن لنا خوفا وغضبا ومنها ما نجده بنفوسنا لا بالآلات البدنية كشعورنا بذواتنا وأحوالها وجميع أحكام الحس جزئية لأنه لا يفيد إلا أن هذه النار حارة وأما الحكم بأن كل نار حارة فحكم عقلي حصل بمعونة الإحساس بجزئيات ذلك الحكم والوقوف على علله وأما الفطريات فقضايا يحكم بها العقل بواسطة لا يعزب عنه عند تصور الطرفين وهو المعنى بأمر لازم منضم إلى القضية ولهذا تسمى قضايا قياساتها معها كالحكم بأن الأربعة زوج لانقسامها بمتساويين وأما المجربات فهي قضايا يحكم بها العقل بانضمام تكرر المشاهدة إليه والقياس الخفي المنتج لليقين إليها وهوان الوقوع المتكرر على نهج واحد لا بدله من سبب وإن لم يعرف ماهيته فكلما علم وجود السبب علم وجود المسبب قطعا وذلك كالحكم بأن السقمونيا مسهل للصفراء وأما المتواترات فهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة كثرة شهادة المخبرين بأمر ممكن مستند إلى المشاهدة كثرة يمتنع تواطؤهم على الكذب فينضم إلى العقل سماع الأخبار وإلى القضية قياس خفي هو أنه لو لم يكن هذا الحكم حقا لما أخبر به هذا الجمع وأما الحدسيات فهي قضايا يحكم بها العقل بحدس قوي من النفس يزول معه الشك ويحصل اليقين بمشاهدة القرائن كالحكم بأن نور القمر مستفاد من الشمس لما نرى من اختلاف تشكلات نوره بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس وذلك أنه يضيء دائما
(٢٥)