جانبه الذي يلي الشمس وينتقل ضوءه إلى مقابلة الشمس فيحدس العقل بأنه لو لم يكن نوره من الشمس لما كان كذلك فهي كالمجربات في تكرر المشاهدة ومقارنة القياس الخفي إلا أن السبب في المجربات معلوم السببية غير معلوم الماهية وفي الحدسيات معلوم بالوجهين إلا أن الوقوف عليه يكون بالحدس دون الفكر وإلا لكان من العلوم الكسبية وستعرف معنى الحدس في بحث النفس قال وقد تنحصر في البديهيات والمشاهدات ذكر في المحصل أن الضروريات هي الوجدانيات وأنها قليلة النفع في العلوم لكونها غير مشتركة والحسيات والبديهيات وتبعه صاحب المواقف إلا أنه ذكر في موضع آخر أن الضروريات هي الست المذكورة والوهميات في المحسوسات كالحكم بأن كل جسم في جهة واعتذر لما في المحصل بوجهين أحدهما أن البديهيات تشمل الفطريات نظرا إلى أن الوسط لما كان لازما لتصور الطرفين فكان العقل لم يفتقر إلا إلى تصورهما والحدسيات تشمل المجربات والمتواترات نظرا إلى استناد حكم العقل فيهما إلى الحس لكن مع التكرر وكذا الحدسيات وثانيهما أن كون المجربات والمتواترات والحدسيات من قبيل الضروريات موضع بحث على ما فصله الإمام في الملخص لاشتمال كل منها على ملاحظة قياس خفي وكذا القضايا التي قياساتها معها ونازع بعضهم في كون المجربات والحدسيات من قبيل اليقينيات فضلا عن كونها ضرورية بل جعل كثير من العلماء الحدسيات من قبيل الظنيات ثم المحققون من القائلين بأن هذه الأربعة ليست من الضروريات على أنها ليست من النظريات أيضا بل واسطة لعدم افتقارها إلى الاكتساب الفكري وبهذا يشعر كلام الإمام حجة الإسلام حيث قال العلم الحاصل بالتواتر ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور بتوسط واسطة مفضية إليه مع أن الواسطة حاضرة في الذهن وليس ضروريا بمعنى الحاصل من غير واسطة كما في قولنا الموجود ليس بمعدوم فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين إحداهما أن هؤلاء مع كثرتهم واختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع الثانية إنهم قد اتفقوا على الإخبار عن الواقعة لكنه لا يفتقر إلى ترتيب المقدمتين ولا إلى الشعور بتوسطهما وبإفضائهما إليه وبهذا يظهر أن النزاع لفظي مبني على تفسير الضروري أنه الذي لا يفتقر إلى واسطة أصلا أو الذي نجد أنفسنا مضطرين إليه فإن قيل المتواترات من قبيل المحسوسات بحس السمع فيجب أن يكون ضروريا بلا نزاع كالعلم بأن النار حارة قلنا الكلام في العلم بمضمون الخبر المسموع تواترا كوجود مكة مثلا وهو معقول آلته يتكرر السماع حتى إذا كان المسموع المتواتر خبرا عن نسبة خبر إلى صادق كان العلم بمضمون ذلك الخبر اكتسابيا وفاقا مثلا إذا توتر الإخبار بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال البينة على المدعي واليمين على من أنكر فالعلم بأن هذا صوت المخبرين ضروري مأخوذ من الحس والعلم بأن الخبر المنقول كلام النبي صلى الله عليه وسلم
(٢٦)