شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٢
التصور بحسب الحقيقة وتنبيه على أن مجهولية الذات لازمة فيما يطلب تصوره حتى لو علم الشيء بحقيقته وقصد اكتساب بعض العوارض له كان ذلك بالدليل لا التعريف ولو قصد اكتساب العارض نفسه كان هو مجهولا بحقيقته وما ذكر في تلخيص المحصل من أن كلا من الوجه المجهول والمعلوم حاصل لأمر ثالث هو المط إلزام للإمام بما اعترف به من أن المعلوم إجمالا معلوم من وجه مجهول من وجه والوجهان متغايران أحدهما معلوم لا إجمال فيه والآخر ليس بمعلوم البتة لكن لما اجتمعا في شيء ظن أن هناك علما إجماليا وإلا فقد ذكر هو في نقد تنزيل الأفكار أن المط المجهول هو حقيقة الماهية المعلومة من جهة بعض عوارضها وأما الثاني فلأن الكاسب أعني المعرف للماهية يمتنع أن يكون نفسها لامتناع كون الشيء أجلى وأسبق معرفة من نفسه بل يكون إما جميع أجزائها وهو نفسها فيعود المحذور وإما بعضها أو خارجا عنها ويندرج فيه المركب من الداخل والخارج ومن أفرده بالذكر أراد بالداخل والخارج المحض من ذلك ثم البعض إنما يعرف الماهية إذا عرف شيئا من أجزائها إذ لو كانت الأجزاء بأسرها معلومة أو بقيت مجهولة لم يكن المعرف معرفا أي سببا لمعرفة الماهية وموصلا إلى تصورها فالجزء المعرف إن كان نفسه عاد المحذور وإن كان غيره لزم التعريف بالخارج ضرورة كون كل جزء خارجا عن الآخر ولو فرض تداخلها بنقل الكلام إلى تعريفه الجزء المركب منه ومن غيره فيعود المحذور أو التعريف بالخارج وهو أيضا بطلان الخارج إنما يفيد معرفة الماهية إذا علم اختصاصه بها بمعنى ثبوته لها ونفيه عن جميع ما عداها وهذا تصديق يتوقف على تصور الماهية وهو دور وتصور ما عداها من الأمور الغير المتناهية على التفصيل وهو محال وفي عبارة الموقف هنا تسامح حيث قال والبعض أن عرف الماهية عرف نفسه وقد أبطل والخارج وسنبطله لأن الذي سيبطل هو التعريف بالخارج لا للخارج وكأنه على حذف الباء أي عرف بالخارج أو عرف الأمر الذي شأنه أن يكون خارجا عن سائر الأجزاء فيكون البعض المعرف خارجا عنه ويلزم التعريف بالخارج لا للخارج وإنما ادعى لزوم المحالين على ما هو تقرير المحصل بناء على أن معرف الماهية معرف لكل جزء منها ولظهور المنع عليه اقتصرنا على أحدهما كما هو تقرير المطالب العالية ثم لا يخفى أن القدح في بعض مقدمات هذا الاستدلال كاف في دفعه إلا أنهم لما جوزوا التعريف بجميع الأجزاء وبالبعض وبالخارج احتجنا إلى التقصي عن الإشكالات الثلاث أما عن الأول فبان جميع الأجزاء وإن كانت نفس الماهية بالذات لكن إنما يمتنع التعريف بها لو لم تغايرها بالاعتبار وتحقيقه أن الأجزاء قد تتعلق بها تصورات متعددة بأن تلاحظ واحدا واحدا على التفصيل والترتيب فيكون كاسبا أي حدا وقد يتعلق بها تصور واحد بأن يلاحظ المجموع من حيث المجموع فيكون مكتسبا أي محدودا وهذا معنى
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»