ثالثا: لماذا لم يحتج أبو بكر ومؤيدوه في السقيفة بهذا الدليل؟ وكيف احتجوا بالقرابة، وأن الأئمة من قريش، ونسوا هذا الدليل - إن صح -؟! مع العلم أن العاقل لا يختار الأصعب مع وجود الأسهل، إلا لفقده. فلو كان هذا الخبر صحيحا ودالا على الخلافة لاحتج به أبو بكر. ولما كان هناك داع لاجتماع الأنصار في السقيفة ليختاروا خليفة من بينهم، وقد عين النبي خليفته ضمنا - كما يقال - ووجه الأنصار إليه والأنصار عدول - عند القوم - فلا يعقل أن يدل هذا الخبر على خلافة أبي بكر ويخالفوه!
رابعا: لو دل هذا الخبر على خلافة أبي بكر، لفهم ذلك أبو بكر نفسه. فها هو يقول في السقيفة: " قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين " (1) - يقصد عمر وأبا عبيدة - فلو كان خبر الصلاة - لو صح - دالا على أحقيته بالخلافة، لكان أبو بكر مخالفا للنبي بإخراج نفسه من هذا الأمر، وترشيح عمر وأبي عبيدة!! بل يكون فعله إهمالا وتوريطا للمسلمين في الخلاف والنزاع.
خامسا: لو دل هذا الخبر على خلافة أبي بكر، لفهم ذلك علي بن أبي طالب - وهو من هو - وأسرع لمبايعة أبي بكر وما تأخر ستة أشهر عن بيعته!
سادسا: من المعلوم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف عليا في تبوك على المدينة وما عزله.
فإن كان الاستخلاف بالصلاة دالا على الإمامة الكبرى، فالاستخلاف على المدينة أولى في الدلالة على الإمامة الكبرى. وقياس الاستخلاف في الصلاة على الإمامة الكبرى، قياس مع الفارق، فاسد الاعتبار، لاختلاف العلتين. فالصلاة - عند أهل السنة - جائزة خلف كل بر وفاجر، بخلاف الإمامة الكبرى التي اشترطوا فيها العدالة. وقياس الاستخلاف على المدينة على الإمامة الكبرى، قياس صحيح - على فرض صحة القياس - لأن الاستخلاف على المدينة متضمن لأمور الدين والدنيا معا كالإمامة الكبرى.