عدول الصحابة عن النص سؤال قد يرد في الأذهان: هل يعقل أن يسمع الصحابة باستخلاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) ويبايعوه في غدير خم، ثم ينكثون بيعته؟
إن من فهم موضوع عدالة الصحابة واجتهادهم أمام المحكمات لا يعرض له هذا السؤال، فالخروج عن النص أمر شائع عند الصحابة. فهذا الذي لا يتصور خروج الصحابة عن النص في استخلاف علي نقول له: لماذا لا تعقل اجتهاد الصحابة أمام النص في استخلاف علي وتعقل اجتهادهم في رزية الخميس، وسرية أسامة، ويوم الحديبية، واجتهادهم في تحريم المتعة، وإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم، و...؟!
فإن قيل: إن خروجهم عن هذه النصوص. كان لاجتهاد رأوه، قلنا: لم لا يقال إن خروجهم عن نصوص الاستخلاف من قبيل هذا؟ والملك عقيم!
وفعل الصحابة مع علي ليس بأعجب من فعل بني إسرائيل مع هارون. فحين ذهب موسى (عليه السلام) لميقات ربه استخلف على أصحابه أخاه هارون ووعد قومه بأنه سيعود بعد ثلاثين ليلة، لكن الله أتمهن بعشر، فلما رجع موسى وجد قومه قد تركوا هارون وعكفوا على العجل الذي صنعه السامري. فإذا جاز لأصحاب موسى أن يتركوا هارون، جاز لأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتركوا عليا (عليه السلام) الذي هو بمنزلة هارون من موسى (عليهما السلام) عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالناس هم الناس، والزمان هو الزمان!
وإعراض الصحابة عن هارون محمد مصداق لقول النبي لأصحابه: " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه!! قلنا:
يا رسول الله اليهود والنصارى، قال فمن؟! " (1).