لنا بكم، فقد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن أسلمتم، وإلا السيف بيننا وبينكم ".
ووافق أبو بكر عمر على رأيه وأمضاه، وحرم المؤلفة قلوبهم مما فرضه الله لهم. إن الله وبعد أن بين مصارف الزكاة الثمانية قال: (فريضة من الله) فإعطاء الفقراء من الزكاة فريضة وإعطاء المؤلفة قلوبهم فريضة... وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى بيان.
ولكن عمر بن الخطاب، عطل هذه الفريضة ووقف ضد النص، ووافقه أبو بكر في موقفه هذا، فالحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها: إن الشيخين اجتهدا بما يخالف النص المحكم ولم يسلما له وجعلا لنفسيهما رأيا يناقض قول الله.
ونسأل الآن: هل جعل الله هذه الفرائض الثمانية، دستورا أبديا للمسلمين، أم حكما مؤقتا؟
لقد انتهى النسخ في الإسلام بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واستقرت الأحكام على ما كانت عليه في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ولا يجوز لأي شخص مهما علت مكانته ان يأتي ويغير في كتاب الله ويلغي ويشرع. فأي سلطان لهذا الإنسان المجترئ الناقص؟! إن الله (1) كان عالما بأن الإسلام سيصبح يوما ما عزيزا ومع ذلك لم يشر إلى إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم إذا أعز الإسلام.
والمتمعن في الآية المذكورة خاصة عند قوله تعالى في نهاية الآية (والله عليم حكيم) يلاحظ الدقة والإعجاز البياني والتشريعي في هذه الكلمات، لقد عبر الله عن نفسه بأنه عليم حكيم، والسر في هذا التعبير واضح كما يبدو، فالله عليم، بهذه الأصناف الثمانية وحاجتهم، لذلك جعل لهم نصيبا، والله عليم بأن الإسلام سيقوى، ومع ذلك لم يشر إلى منع عطيتهم.
وأما كلمة حكيم في الآية فتعني أن الله حكيم في تشريعه هذا، وفي جعله سهما للمؤلفة قلوبهم وإن قوي الإسلام، لأن الإسلام حين يكون قويا ويعطي المؤلفة قلوبهم تظهر سماحته وعظمته في نفوس هؤلاء المؤلفة قلوبهم، وهذا سيكون أدعى لقبولهم