وركبت السفينة - مروان خليفات - الصفحة ٢٣٧
قد يقال: إن الإسلام يجب ما قبله. فنقول: صحيح هذا، ولكن هذا القول مخالف لسنة الله في اختيار رسله ﴿ولن تجد لسنة الله تبديلا﴾ (1) فلو اختار الله الصحابة لبيان دينه لكان - والعياذ بالله - مخالفا لسنته في اختيار الإنسان الطاهر من أي انحراف في سلوكه وقوله، كالأنبياء (عليهم السلام) تماما. فكيف يقول الله: (ولن تجد لسنة الله تبديلا) ثم يخالف سنته في اختيار سفرائه ممن عاشوا في مستنقع المحرمات لعشرات السنين؟!!
إن من يستقرئ حياة الصحابة يجد كثيرا من الرواسب الجاهلية قد عاشت معهم بعد الإسلام، كشرب الخمر والزنا وأكل الربا (2)، وهذا الأمر يسلب منهم خاصية القيمومة على الدعوة. فالرواسب الجاهلية تؤثر سلبا على الداعية.
أخرج البخاري: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي " فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية، فقال:
كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن الحضير، فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت (3).
وأخرج البخاري: " إن رجلا من المهاجرين كسح (4) رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

١ - الأحزاب: ٦٢.
2 - وهذا أمر قد وثقناه في مبحث عدالة الصحابة.
3 - 3 / 156، و 6 / 8.
4 - كسح: بمعنى ضرب.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 243 ... » »»