وركبت السفينة - مروان خليفات - الصفحة ٢٣٨
فقال: " ما بال دعوى أهل الجاهلية؟! " قالوا: يا رسول الله كسح رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال: " دعوها فإنها منتنة "... " (1).
نستخلص من هذا " أن من أوليات ما يقتضيه ضمان التطبيق أن يكون القائم على تطبيقها - أي الفكرة - شخصا تتجسد فيه مبادئ فكرته تجسدا مستوعبا لمختلف المجالات التي تكفلت الفكرة تقويمها من نفسه. ولا نريد من التجسد أكثر من أن يكون صاحبها خليا عن الأفكار المعاكسة لها من جهة، وتغلغلها في نفسه كمبدأ يستحق من صاحبه التضحية والفناء فيه من جهة أخرى، ومتى كان الإنسان بهذا المستوى استحال في حقه من وجهة نفسية أن يخرج على تعاليمها بحال. وإذا لم يكن القائم بالحكم بهذا المستوى من الإيمان بها وكانت لديه رواسب على خلافها، لم يكن بالطبع أمينا على تطبيقها مائة بالمائة، لاحتمال انبعاث إحدى تلكم الرواسب في غفلة من غفلات الضمير، واستئثارها في توجيهه الوجهة المعاكسة التي تأتي على الفكرة في بعض مناحيها وتعطلها عن التأثير ككل، وربما استجاب الرأي العام له تخفيفا لحدة الصراع في أعماقه بين ما جد من تعاليم هذه الفكرة وما كان معاشا له ومتجاوبا مع نفسه من الرواسب.
على أن الناس - كل الناس - لا يكادون يختلفون - إلا نادرا - في قدرتهم على التفكيك بين الفكرة وشخصية القائم عليها... وبما أن الإسلام يعالج الإنسان علاجا مستوعبا لمختلف جهاته - الداخلية والخارجية -، احتجنا لضمان تبليغه وتطبيقه إلى العصمة في الرسول، ثم العصمة في الذي يتولى وظيفته بعده... " (2).

١ - ج ٦ باب قوله: سواء عليهم استغفرت لهم.
٢ - الأصول العامة للفقه المقارن: ١٨٥ - 186.
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 243 244 ... » »»