هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي - الصفحة ١٩٣
على أن هناك شيئا آخر وهو أن أئمة المسلمين الآخرين اضطروا إلى استعمال التقية فيما تعرضوا له من مواقف، ومن ذلك ما ذكره أحمد بن أبي يعقوب المعروف باليعقوبي عند استعراضه لموقف الإمام أحمد بن حنبل أيام المحنة والقول بخلق القرآن قال: لما امتنع أحمد بن حنبل من القول بخلق القرآن وضرب عدة سياط قال إسحاق بن إبراهيم للمعتصم ولني يا أمير المؤمنين مناظرته فقال: شأنك به، فقال إسحاق للإمام أحمد ما تقول في خلق القرآن؟ فقال الإمام أحمد: أنا رجل علمت علما ولم أعلم فيه بهذا، فقال: هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أم علمته من الرجال، فقال أحمد: بل علمته من الرجال، فقال إسحاق. علمته شيئا بعد شئ قال نعم، قال إسحاق: فبقي عليك شئ لم تعلمه؟
فقال: نعم، قال: فهذا مما لم تعلم وعلمكه أمير المؤمنين، فقال أحمد: فإني أقول بقول أمير المؤمنين: فقال إسحاق به خلق القرآن، قال أحمد في خلق القرآن فاشهد عليه، وخلع عليه وأطلقه إلى منزله (1).
ولهذا قال الجاحظ في حواره مع أهل الحديث بعد أن ذكر محنة الإمام أحمد ابن حنبل وامتحانه: قد كان صاحبكم هذا - يعني الإمام - يقول لا تقية إلا في دار الشرك فلو كان ما أقر به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية فلقد أعملها في دار الإسلام وقد أكذب نفسه، ولو كان ما أقر به على الصحة والحقيقة فلستم منه وليس منكم على أنه لم ير سيفا مشهورا ولا ضرب ضربا كثيرا، ولا ضرب إلا الثلاثين سوطا مقطوعة الثمار مشبعة الأطراف حتى أفصح بالإقرار مرارا، ولا كان في مجلس ضيق، ولا كانت حالته مؤيسة، ولا كان مثقلا بالحديد، ولا خلع قلبه بشدة الوعيد، ولقد كان ينازع بألين الكلام ويجيب بأغلظ الجواب ويزنون ويخلف ويحلمون ويطيش (2).
على أن سيرة المسلمين بالفعل قائمة على التقية فهناك أمور لا يقرها بعض

(1) تاريخ اليعقوبي ج‍ 3 ص 198.
(2) الإمام الصادق لأسد حيدر ج‍ 2 ص 310.
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»