هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي - الصفحة ١٦٣
أما مناشئ الغلو فأبرزها وأهمها في نظرنا أربعة مناشئ هي على التوالي:
أ - المنشأ الأول:
أن يغالي الإنسان بشخص أو فكرة ليتخذ من ذلك مبررا لاختياره الانتماء لهذه الفكرة أو الشخص فكأنه يريد مرجحا أمام الناس ومبررا نفسيا ويتبلور هذا المعنى أكثر وأكثر في العقيدة بالأشخاص فإن الأتباع يحاولون رفع من يعتقدون به إلى مستويات غير عادية وهذا المعنى موجود على الصعيد الديني والسياسي، فقد وصف هوبز الحاكم بأنه المعبر عن إرادة الله وإرادة الشعب، ومنحه السلطة المطلقة في التصرف، ولم يعط الشعب حق عزله واعتبر إرادته من إرادة الله تعالى، وقد ذهب فلاسفة الألمان نفس المذهب فيما خلعوه على الحاكم من صفات، وأشدهم في ذلك: هيكل أستاذ ماركس، فالملك عند هيكل صاحب السلطة المطلقة، وله مركز مستقل عن مصالح الأفراد وتتمثل في شخصيته الذات النهائية وهو مجموع الشعب مشخص في واحد، وهو وهو الخ. وقد سبق هؤلاء جميعا أفلاطون حين أعطى الحاكم منازل مقدسة، وكذلك الفارابي حيث صور رئيس المدينة بأنه متصل بالعقل الفعال حيث يقترب من الله تعالى (1).
إن كل هذه المواقف تبرير لاعتناق الفكرة بنحو وآخر يوجده تصور معين.
ب - المنشأ الثاني للغلو:
رد الفعل فإن البعض قد يضطهد من أجل معتقداته، وقد ينتقص أو يشتم أو يهزأ به فيدفعه كل ذلك إلى المغالاة بدافع رد الفعل، ولهذا رأينا القرآن الكريم في مثل هذه المواطن أخذ العوامل النفسية بعين الاعتبار إذ يقول تعالى:
* (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) * 108 / الأنعام. وهذه المسألة لها تطبيقاتها على أبعاد التاريخ في كثير من الموارد، ومن هنا ذهب دونالدسن: إلى أن القول بالعصمة هو رد فعل من الخلفاء الغاصبين وهو

(1) نظرية الإمامة ص 135 فصاعدا.
(١٦٣)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»