ومتشابهات، وهذا هو مقتضى طبيعة التشريع الذي مشرعه هو الحكيم اللطيف الخبير الذي هو بكل شئ عليم وبكل شئ محيط، فإن كتاب الأحكام والتشريعات فيه محكمات ومتشابهات، ولا يصح لنا إذا رأينا المتشابه أن نرفع يدنا عن المحكم، ونتخيل وجود العبث في الخلق أو في التشريع {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} (1).
إن من الضروري للإنسان أن يعرف أن حياته الدنيا بالنسبة إلى حياته الآخرة، إنما هي كحياة الجنين في رحم أمه بالنسبة إلى حياته في الدنيا، فالجنين مهما كان له عقل وشعور، لا يمكنه أن يفهم وجه الحكمة من خلق أعضائه وقواه، ولماذا يكون الله له جهاز البصر والسمع والتنفس، وما هي الفائدة له من هذه الأعضاء، وما هي الحكمة من تكوين جهاز ادراكه وتفكره وتعقله، لكنه عندما يخرج إلى الدنيا يفهم ذلك!
وكذلك جنين روح الإنسان الذي يعيش في رحم الطبيعة، لابد له أن يتجهز بأعضاء وقوى، هي الوسائل لحياته الأبدية، ولا يكون ذلك إلا بتطبيقه تعاليم ربه وأحكامه، وسوف تتضح له الحكمة من هذه التعاليم عندما يضع قدمه في عالم الآخرة، ويعرف أنه كان كالجنين في عالم الدنيا!
لهذا كان التعبد بأحكام الدين من ضروريات خلقة الإنسان، بل من ضروريات تكامله، ذلك أن قيمة العامل بعمله، وقيمة العمل بنيته والدافع إليه والمحرك إلى فعله، وقد أرشد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هذه الحقيقة بقوله: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) (2).